
بعد سبعة أيام مضت على وجوده في روما, أنهت خلالها الإستخبارات المركزية الأمريكية عملية \"أجاكس\", فبات \"ملك الملوك\" قادرا على العودة إلى عرشه. لقد تخلص الشاه نهائيا من حكومة \"محمد مصدق\". لم يعترف رئيس الولايات المتحدة \"أيزنهاور\" بتورط بيته الأبيض في هذه العملية السوداء, بل اكتفى بوصف مصدق بأنه لم يكن \"عملياً\". وحين كشفت العملية قالت الاستخبارات الأمريكية بأن الانقلاب كان \"ضروريا من الناحية الاستراتيجية\". كان مصدق (غير العملي) قد قام بتأميم النفط الإيراني, ملغيا السرقة البريطانية لثروة بلاده, التي كانت العائق الأساسي أمام الإستقلال الاقتصادي والسياسي. وهذا استدعى من أمريكا وبريطانية إجراءاً (عملياً) انقلابياً, أعاد الشاه (العملي) إلى مملكته, الذي سارع إلى إعادة نهب النفط الإيراني إلى سابق عهده. حين حلت ذكرى مرور 2500 عام على انشاء الإمبراطورية الفارسية سنة 1971 , كانت الشخصيات العربية العملية أيضاً, تجلس في الصفوف الأمامية لحفلة بلغت تكلفتها أكثر من 100 مليون دولار فقط لا غير. في ذلك الحفل, رقصت العروش الخليجية على أنغام شرطي الخليج, وهي تغني بفرح لا مثيل له للإمبراطورية الفارسية العملية جداً.
بعد ثماني سنوات, كان على الشاه أن يمضي وقتا طويلا في طائرته في أجواء العواصم الأوربية التي رفضت جميعها استقباله, لم يجد غير السادات ( العملي جدا) الذي سمح لطائرته بالهبوط على أرض مصر . بينما كانت الثورة الإيرانية تتجه مباشرة نحو سفارة الكيان الصهيوني, لتضع فوقها العلم الفلسطيني وتعلنها سفارة فلسطين. كان إعلانا صريحا بأنها باتت جمهورية \"غير عملية\". كان عليها أن تخوض لثمانية أعوام, حربا شرسة مع مبذر القوة العربية \"صدام حسين\", وحلفائه الخليجيين و الأمريكيين. و أن تعتاد على العقوبات الدولية التي فرضت عليها منذ اللحظات الأولى لثورتها, عبر الاعتماد على الذات.
وبينما كانت إيران منشغلة بأمور ثانوية مثل التقدم العلمي و التكنولوجي والاقتصادي والعسكري. كانت الضفة الأخرى من الخليج, تتابع إسهاماتها في الحضارة الإنسانية. فقد حللت للبشرية لحم البطريق، وحرمت الإقامة في المريخ, وقيادة المرأة للسيارة, وكذلك جلوسها أمام الإنترنيت بدون محرم, وأجازت إرضاع الكبير. إضافة إلى مشاريع: تصنيع الإرهاب وناطحات السحاب و توسعة الحرم الشريف.
لم يكن \"المجتمع الدولي\" قلقا من 400 رأس نووي يمتلكها الكيان الصهيوني, متعاطفا مع حاجته \"لحماية أمنه في حال تعرضه لتهديد وجودي\". لكنه ومنذ العام 2003 أعلن \"المجتمع الدولي\" مخاوفه من البرنامج النووي الإيراني, متسائلا بقلق بالغ : ماذا سنفعل أمام \"تهديد\" القدرات النووية الإيرانية؟ ثمة حلان لهذا القلق : اجتثاث البرنامج كاملا عبر عملية عسكرية, أو منعها من الاقتراب من العتبة النووية عبر المفاوضات والعقوبات.
في كتابه \"قرارات حاسمة\" يقول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بأن: \" العملية العسكرية كانت دوما على الطاولة!\" لكنه رفض ذلك لأن أجهزة استخباراته أكدت له بأن إيران لا تقيم أنشطة نووية عسكرية. في الواقع , كان الاحتلال الأمريكي يبحث عن مخرج من العراق, كان منسوب خسائره يرتفع يوميا نتيجة المقاومة العراقية, فلم يكن مستعدا أو حتى قادرا على التفكير في فتح جبهات أخرى. هذا منعه من تلبية الطلب الدائم للكيان الصهيوني بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية, وكذلك تحقيق حلم الملك السعودي السابق (عبدالله بن عبد العزيز) في \"قطع رأس الأفعى\" حسب ما كشفته وثائق ويكيليكس. لذلك كان لابدّ من الإنتقال إلى الخيار البديل, للوصول إلى إتفاق مناسب لجميع الأطراف, بعد استحالة تجريدها من قدراتها النووية. المفاوضات على نار العقوبات الدولية و التهديدات الصهيونية المستمرة و نداءات الاستغاثة الخليجية من الخطر \"الفارسي\". أي احتواء البرنامج النووي الايراني و منعها من امتلاك سلاح نووي.
في الثلاثين من حزيران 2015 وصلت المفاوضات إلى مرحلتها النهائية, والتي تم التوافق على تمديدها بضعة ايام للوصول إلى الإتفاق النهائي. المجتمع الدولي يريد برنامجا لا يتجاوز العتبة النووية اللازمة لإنتاج سلاح نووي, ويريد ضمان ذلك من خلال عمليات تفتيش مناسبة, على أن يتم إلغاء العقوبات الدولية الجائرة بحق الشعب الإيراني.
الشيء الذي بات مؤكدا , بغض النظر عن نتيجة المفاوضات النهائية, أن إيران باتت اليوم أكثر قدرة على حماية سيادتها ومصالح شعبها, التي تعتبرهما عتبات مقدسة لا تقبل تجاوزها, وهي مستعدة لتجاوز العتبة النووية دفاعا عن عتباتها المقدسة!
الكاتب / سامر عبد الكريم منصور