منهجية الدولة السورية بين الإيمان والإلحاد وفتاوي العالم الاسلامي ؟

كثيرة هي الأشياء التي تسقط من الذاكرة, لكن الفتوى التي صدرت عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة حول، \"تحريم الإقامة على كوكب المريخ\", ستصمد طويلا في الذاكرة, بما تختزنه من مفارقة تاريخية وحضارية. ولكن دعونا نهبط من المريخ إلى الواقع المحاصر بالماضي \"الجميل\"!. ولنصغي بداية إلى التيارات التي تحمل لواء \"الربيع العربي\" في جهادها ضد الدولة السورية!. فقد أعلنت (داعش) بأن\"أمراء الجبهة الإسلامية مرتدّون عن الإسلام\", و كفرت «جبهة النصرة» بتهمة الردة والخيانة بسبب تحالفهم مع المجالس العسكرية \"العلمانية\" التابعة الى \"الجيش الحر\", واتهمت قيادات القاعدة بالانحراف عما سموه «المنهج الجهادي». جبهة النصرة لم تقف مكتوفة الأيدي بل سارعت إلى نشر كتاب بعنوان \"العلامات الفارقة في كشف دين المارقة\", مخصص لتكفير \"داعش\", أما مفتي المملكة الوهابية فقد كفر «داعش» و«النصرة» و«الإخوان المسلمين». هذه عينة بسيطة من التكفير ضمن العائلة الواحدة, العائلة التكفيرية, التي تملك حقدا تاريخيا ضد الحياة والعصر, وتسعى بكل جهلها ودمويتها إلى إعادة عقارب التاريخ. كائنات مسكونة بحالة مرضية مستعصية من الحنين إلى الماضي. ولكن كيف \"يفكر\" التكفيري!؟.


يقوم المنطق الفكري لتيارات \"السلفية الجهادية\" على فكرتين رئيسيتين: \" الجاهلية\" و \" الحاكمية\". وبصياغة بسيطة معتمدة على قانون السببية التكفيري, يمكن القول بأن منهجهم يبدأ من فرضية أن العالم كله يعيش في \" جاهلية\", لأنه وضع تصورات وقوانين وضعية وأنظمة لحكم نفسه وإدارة شؤونه \"تخالف\" ما أنزل الله , وهذا يعني اعتداء سافرا على سلطان الله وحاكميته, وهو سبب كل مآسي الإنسانية. أمام هذا المأزق الحضاري, انبثقت تيارات السلفية الجهادية, لتقوم ب\"المهمة المقدسة\" : إخراج البشرية مرة أخرى من الجاهلية الى الإسلام, وتحديدا إلى زمن السلف الصالح المحدد بالقرون الهجرية الثلاثة الأولى, وإعادة الحكم لله. تباين هذه التيارات في الفهم والتفسير الخاص \"الموضوعي والمتجرد من الرغبات البشرية\" للنص القرآني والحديث وأقوال السلف, جعل لكل تيار خصوصيته التكفيرية, بما ينسجم مع قناعته بأنه الوحيد المطبق للمنطق الإسلامي الصحيح, والناطق الرسمي باسم الله, وبالتالي هو الوحيد المؤهل لقيادة المهمة النبيلة. لكن هذا التباين لم يزعزع موقفهم التكفيري بخصوص رفض التعددية الفكرية والسياسية وكذلك الموقف المعادي للديمقراطية التي يرونها بضاعة غربية مخالفة للأصول الشرعية, وتتنافى مع إقامة الدين وتحقيق التوحيد. و انسجاما مع منطقهم في تقسيم التاريخ إلى فترتين: فترة جاهلية تلتها فترة الإسلام, تمّ تقسيم الأرض إلى دارين: دار كفر ودار إسلام, والدار هنا بمعنى البلد أو الدولة, وبالتالي العالم كله عبارة عن دار كفر ما عدا بضعة كهوف. الدولة عموما هي شعب يعيش في اقليم محدد ويخضع لنظام سياسي معين. لكن الفرضية التكفيرية تقول بأن العالم كله في جاهلية, بالتالي كان الشعب والنظام في جاهلية, كذلك مفاهيم المواطنة والدستور والبرلمان وغيرها, هي مفاهيم جاهلية مناقضة للشريعة الاسلامية, و بالنتيجة تكون الدولة دار كفر, يجب قتالها حتى تعود دار إسلام نقي.

يبدو أن هذا المنطق الديمقراطي المتماسك, هو الذي دفع الليبراليين والمناضلين من أجل الحرية والديمقراطية, للوقوف كالبنيان المرصوص خلف تيارات السلفية الجهادية. وهم يبررون الظاهرة التكفيرية بأنها ناتجة عن الديكتاتورية والاستبداد, كان من الممكن تفاديها لو تمّ محاسبة المسؤولين عن أظافر أطفال درعا, وتوزيع الحليب, وإلغاء المادة الثامنة من الدستور. فالعالم الذي وصل إلى حافة حرب عالمية ثالثة, غايته الوحيدة هو توفير الحرية والديمقراطية والحليب لهيئة حسن عبد العظيم وتيار لؤي حسين.

\"التيار الأصولي يرفض البديل الديمقراطي ومبدأ الحرية \". هذا ما يكتشفه \"ميشيل كيلو\" قبل أن يتسلح بجرعة مفرطة من السذاجة السياسية , إضافة إلى مبدأ الغباء التاريخي ليعلن بأن :\" قطاعات مهمة من التنظيمات الجهادية, تجري مراجعات جدية لموقفها, وتقترب من قبول التوافق على أرضية سياسية محايدة وحرة, تحسم أمر النظام المقبل ونمط حكومته, عبر انتخابات حرة وعامة ويتعهد بعدم فرض خياراته بالقوة على الشعب وبالتخلي عن المغالبة والقوة سبيلا إلى السلطة!!!\". لكن الاكتشاف الأكبر! كان على يد المفكر الديمقراطي \"برهان غليون\" حين قال : \" إن واشنطن تدمر أسس القوة العربية حماية لإسرائيل، وأن لا مصلحة للولايات المتحدة في وقف انهيار النظام الاقليمي في المشرق\" ليستنتج أن: \"المستقبل الوحيد لأكثر الدول العربية هو لبنان!, لا وجود لدولة أو قانون غير توازن الطوائف والميليشيات وعرابينها\". أما \"كمال اللبواني\" أو\"مانديلا سوريا\" اللقب المتعارف عليه صهيونيا. وهو الوجه الحقيقي لمعارضة الفنادق, الذي عبّر بوضوح عن العلاقة المميزة التي تجمعهم مع العدو الاسرائيلي, حين قام بزيارة \"صديقهم العزيز\" (الكيان الصهيوني) للمشاركة في مؤتمر لمكافحة \"الإرهاب\"!!. وحين قال بصراحة: \" إن الأداة الايديولوجية التي تفيد زمن الحرب أي ايديولوجيا الجهاد لا تصلح بعده . لذلك ستذهب جهود الحركات الجهادية إلى المتسلقين والانتهازيين\". معترفا بأن التيارات الجهادية مجرد أدوات, لسيطرة الانتهازيين والمتسلقين مع \"صديقهم العزيز\" على الدولة السورية.

يؤمن الغرب عموما, بأن العرب جثة هامدة ممددة في أهم منطقة استراتيجية في العالم, من ناحية الموقع الجغرافي وثرواته الاقتصادية الهائلة. الجثث عاجزة عن التفكير والفعل بالضرورة. فكما تم استقبال \"مؤامرات\" سابقة بكل رحابة جهل وتفريط بالكرامة والحقوق, تمّ التفاعل بإيجابية مدهشة مع \"المؤامرة\" المعلنة. لنتذكر معاً قصة \"مؤامرة\" معلنة!

في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية, مشغولة في تعزيز الديمقراطية في العراق, فقد أنهت لتوها قتل أكثر من نصف مليون وهجرت أكثر من ثلاثة ملايين. كان بوش مشغولا أيضا, بصياغة مبادرة لتعزيز الديمقراطية في \"الشرق الأوسط الكبير\" كما نشرت الواشنطن بوست في 9 شباط 2004. فالمستويات غير اللائقة في العمل والتعليم والحقوق السياسة في ذلك الشرق، سببت قلقا كبيرا لدى الإدارة الإنسانية الأمريكية, جعلها تنكب على صياغة مبادرة \"تسعى لدعم كرامة الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في ذلك الشرق\", هكذا أعلن بوش في 9 حزيران 2004أمام قادة الدول الصناعية الكبرى وقادة دول عربية (اليمن والبحرين والجزائر والعراق والأردن) خلال قمة مجموعة الثمانية. وتم الاتفاق على \"تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، وبناء مجتمع يتمتع بتعليم جيد, وتوسيع الفرص الاقتصادية\". وأمام مشاهد تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح في العراق, أعلنت وزيرة الخارجية الامريكية \"كونداليزا رايس\" عبر الواشنطن بوست في 19 نيسان 2005 : \" إن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط في البداية، هي نوع من الفوضى الخلاقة التي ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة الحالي\". كانت تقصد بالضبط : سنجعل من الحرية والديمقراطية في \"الشرق الأوسط الكبير\" مبررات لإنتاج \"الفوضى الخلاقة\", التي تعني ببساطة شديدة : الهدم ثم إعادة البناء من جديد بهوية جديدة تخدم مصالحهم. تماما كما أعلنت وهي تنظر إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان (تموز- 2006): \" هذه آلام المخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد\"!. وبعد سنوات قليلة دخل العرب نفق \"الربيع العربي\" أو \"الفوضى الخلاقة\", التي لا غاية لها سوى انتاج \" شرق أوسط أمريكي صهيوني جديد\".

تشكل الولايات المتحدة التي تملك إرثا تاريخيا من العداء تجاه الدول المتمسكة بسيادتها واستقلالها, مع أدواتها من تيارات تكفيرية و معارضة إنتهازية لا وطنية, والدول الداعمة لهم, في عدوانهم على الدولة السورية تيارا إلحاديا تجاه فكرة الدولة المقاومة للمشاريع الصهيونية الأمريكية. فالحرب الدائرة على الدولة السورية, ليست حربا من أجل حرية أو ديمقراطية, إنها ببساطة حرب بين الإيمان بالدولة السورية وحضارتها, ضد تيار الإلحاد الدولي!

وأخيرا دعونا نتذكر ما قاله المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي : \" الإستقلال هو الشيء الذي يمثل دائما تهديدا شاملا بالنسبة لأمريكا. لقد دعمت وحلفاؤها الإسلام المتطرف بصورة منتظمة، وفي أحيان كثيرة من أجل التغلب على تهديد القومية العلمانية\".

الكاتب / سامر عبد الكريم منصور

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم