وبينما كان الأمن يصحبني من صالة إلى أخرى في مطار القاهرة، سألتني امرأة شابة تعمل في المكان، عما فعلتُه لأجذب كل ذلك الاهتمام، فأظهرت إليها نسخة من تقرير رابعة، فتبسمت وعادت لي بصورة لها في ذلك الميدان أثناء عملية فض الاعتصام..من أجل منع قتل المزيد من الأشخاص من أمثال هذه المرأة، الذين لا يريدون أكثر من احترام حقهم في حرية انتخاب حكومتهم، يجب تحقيق العدالة في مصر، أما إذا استمر تجاهل هذه الجريمة الهائلة، ينبغي على المجتمع الدولي التدخل".
هكذا علق كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية على ملابسات منعه من دخول مصر وتفاصيل دقيقة حول ملابسات فض اعتصام رابعة، الذي اعتبر أنه لا يقل ضراوة عن المذابح الكبرى في التاريخ مثل تيانانمن في الصين، وأنديجان في أوزبكستان.
وفيما يلي النص الكامل للمقال !
ذهبت إلى مصر لتزويد القيادات المصرية بأدلة قيام الشرطة بقتل 1000 شخص في ميدان رابعة، لكن سلطات المطار لم تسمح لي بالدخول.
مزيج من الإنكار والخوف دفع الحكومة المصرية إلى منعي، وزميلتي سارة لي ويتسو من الدخول مساء الأحد الماضي، مرجعين ذلك إلى ما وصفوه بـ" الدواعي الأمنية.
تلك الواقعة غير مسبوقة، فلم يتم منع أي مسؤول من هيومن رايتس ووتش قبل ذلك من دخول مصر، حتى خلال عهد مبارك الأكثر سوادا.
لكن السبب من وراء زيارتي، كان أيضا غير مسبوق، حيث يتعلق بمذبحة تنافس أكثر الجرائم المشبوهة في العصور الحديثة، مثل مذبحة تيانانمن في الصين عام 1989، ومذبحة أنديجان في أوزبكستان عام 2005.
ذهبت إلى القاهرة لتقديم نتائج التحقيق المفصل الذي أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش العام الماضي، بشأن مذبحة ارتكبتها القوات الأمنية ضد متظاهرين في معسكر اعتصام كبير بميدان رابعة العدوية، والذي تم تنظيمه لمناهضة عزل الجيش لمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر.
في يوم واحد، بل في 12 ساعة فحسب، قتلت القوات الأمنية 817 شخصا على الأقل، حددت هيومن رايتس ووتش شخصياتهم، وعلى الأرجح تماما أن يكون عدد القتلى قد تجاوز الألف.
المذبحة كانت ممنهجة للغاية، بما قد يجعلها ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية تحت مظلة القانون الدولي.
كان قد مر على الاعتصام 45 يوما، عندما تحركت السلطات المصرية لسحقه.
ورغم وعود المسؤولين المصريين بالفض التدريجي، والذي يشمل تحذيرات وممرات آمنة لمن يرغب في الخروج، إلا أن الفض الفعلي للاعتصام كان شيئا آخر، ففي صباح، 14 أغسطس 2014، بدأت القوات الأمنية العملية، وخلال دقائق، تقدمت نحو جمهور المتظاهرين باستخدام بلدوزرات، وناقلات جنود، ومئات من القوات الأرضية، والذين بدأوا بالفعل في إطلاق ذخيرة حية، بوابل مكثف أحيانا.
وبدأ المتظاهرون مباشرة في السقوط، ولم يتحقق وعد الممرات الآمنة حتى الدقائق الأخيرة من فض الاعتصام، بما حدا المتظاهرين إلى الانكماش في منطقة محدودة، في الوقت الذي كان يقوم خلاله القناصة من فوق الأسطح باستهداف أشخاص، وكذلك كانت الشرطة على الأرض تطلق النار على المتظاهرين بعشوائية.
لقد استهدف القناصة مدخل مستشفى رابعة، الذي بات معروفا بأنه "زقاق القناصة".
الحكومة المصرية سارعت بالتأكيد على وجود عنف من المتظاهرين لكن ذلك لا يبرر المذبحة التي ارتكبتها القوات الأمنية.
بعض الشباب قاموا بإلقاء قنابل المولوتوف على قوات الأمن، وفي حالات نادرة استخدموا الأسلحة النارية، لكن الشرطة لم تعثر إلا على 15 بندقية بين عشرات الآلاف من المتظاهرين، كما لم تتجاوز حصيلة قتلى الشرطة الثمانية وفقا لمصلحة الطب الشرعي.
مثل هذا التفاوت الكبير في أعداد القتلى يشير إلى ثمة خطأ عميق في عملية الفض، لا سيما وأن القانون الدولي يلزم القوات الأمنية بعدم استخدام القوة المميتة إلا في حالة الضرورة عند مواجهة تهديد وشيك مميت.
لقد وقفت الشرطة بشكل علني على الأسطح والمدرعات المسلحة أثناء إطلاق النار وتحقيق تقدم.
أعداد لا تحصى من الشهود، بينهم مقيمون بالمنطقة، وإعلاميون مستقلون، وصفوا العشوائية التي اتسمت بها القوات الأمنية في استهداف متظاهري رابعة.
كل الأسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن فض الاعتصام كانت عملية مخطط لها تورط فيها مسؤولون على أعلى مستوى في الحكومة المصري.
كان وزير الخارجية محمد إيراهيم المهندس الرئيسي لخطة فض الاعتصام، بينما كان مشرفه المباشر، المسؤول عن كافة العمليات الأمنية، هو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وقتما كان وزيرا للدفاع، ونائب رئيس الوزراء للشئون الأمنية.
وخلال مناقشات سبقت عملية الفض، تحدث مسؤولون أمنيون بارزون، وتوقعوا حدوث آلاف القتلى.
وبعد يوم واحد من المذبحة، قال إبراهيم إن الأمر تم تماما حسب الخطة، ومنح مكافآت فيما بعد للمشاركين في عملية الفض.
فض اعتصام رابعة كان جزءا من حالات أخرى عبر مصر، استخدمت فيها قوات الأمن القوة المفرطة، تضمن قتل 61 متظاهرا في فض اعتصام خارج محيط مقر الحرس الجمهوري في 8يوليو، و95 متظاهرا بجوار المنصة بشرق القاهرة في 27 يوليو.
كانت كل الأسباب تدعو كبار المسؤولين لاتخاذ خطوات لمنع عمليات القتل واسعة النطاق خلال فض اعتصام رابعة، لكن لا يوجد دليل البتة على فعلهم ذلك.
بالرغم من ادعاءات مفادها أن القوات الأمنية ستلتزم ضبط النفس، إلا أن ممارسات كبار المسؤولين بدت وكأنهم كانوا على علم بالإجرام الذي سيقترفونه.
وكالة أسوشيتد برس نقلت عن لواءين في الداخلية قولهما إن مسؤولين أمنيين بارزين حذروا قواتهم بتوقع حدوث عمليات تصعيد كبيرة خلال الفض، وطالبوهم بعدم القلق من الخضوع للمساءلة، كما فصل أحد اللواءات الخطوات التي اتخذتها الوزارة لإجهاض أي تحقيق جنائي حول مشهد الجريمة، وتتضمن عمليات مزج للذخائر، بالإضافة إلى التستر على سجلاتها، كما تم لاحقا إعادة رصف الشوارع حول رابعة، فيما بدا أنها جهود لمحو ذكريات رابعة.
وخلال العام المنقضي، لم تتم أي محاسبة رسمية لما حدث، ولا أي تحقيقات قضائية يعتد بها، ولم يخضع أحد للمحاكمة، كما رفضت الحكومة المصرية الاعتراف باقتراف أي مخالفات من جانب القوات الأمنية، كما رفضت التعاون مع أي تحقيق،
وبدلا من ذلك، قامت بتشييد نصب تذكاري تكريما للشرطة والجيش في منتصف ميدان رابعة.
أسلوب دفن الرأس في الرمال لا يجدي مع مذبحة كبيرة للغاية وغير مسبوقة في التاريخ المصري وخطط لها بصورة كبيرة جدا مثل رابعة.
الحكومات الغربية تتوق إلى إلقاء الماضي خلف ظهورها واحتضان حكومة السيسي، لكن الإفلات من العقاب في جريمة بهذا الحجم الكبير سوف يشجع فحسب على ارتكاب المزيد من الفظائع في الاحتجاجات المستقبلية الحتمية.
الإفلات من المساءلة ليس سبيلا لترسيخ دور القانون، الذي يعد جزءا جوهريا في عملية الانتقال نحو الديمقراطية التي لا يزال وزير الخارجية الأمريكي يروج لها، لكنها لم تتحقق حتى الآن على أرض الواقع.
والآن، تتظاهر الحكومة المصرية أنها محت ذكرى رابعة، لكنني أشك في تحقيق ذلك بمثل هذه البساطة.
وبينما كان الأمن يصحبني من صالة إلى أخرى في مطار القاهرة، سألتني امرأة شابة تعمل في المكان، عما فعلته لأجذب كل ذلك الاهتمام، فأظهرت إليها نسخة من تقرير رابعة، فتبسمت وعادت لي بصورة لها في ذلك الميدان أثناء عملية فض الاعتصام.
من أجل منع قتل المزيد من أشخاص من أمثال هذه المرأة، الذين لا يريدون أكثر من احترام حقهم في حرية انتخاب حكومتهم، يجب تحقيق العدالة في مصر، أما إذا استمر تجاهل هذه الجريمة الهائلة، ينبغي على المجتمع الدولي التدخل.
مشاركة الطالبة / خديجة العمر