تميّز اليومان الثالث والرابع من عملية “العصف المأكول” بتطورات ورسائل سياسية وعسكرية في غاية الأهمية، وأظهرت حماس وذراعها العسكرية “كتائب القسام” براعة في استخدام أساليب جديدة، وخلق الفرص، والمناورة السياسية والعسكرية.
بينما ظلّ أداء الحكومة الإسرائيلية تقليدياً وباهتاً، ولم تظهر أي جديد في عدوانها ميدانياً أو أدائها عسكرياً لم يتخبره الفلسطينيون في السابق.
بالنسبة لأداء حماس فتميز أداء حماس في اليومين الثالث والرابع بما يلي:
1- وسّعت حماس دائرة قصفها لتطال كامل مساحة فلسطين المحتلة، وبالتالي غطّت صواريخ القسام كل المساحة الجغرافية لفلسطين المحتلة.
2- أدخلت حماس صواريخ جديدة هي R160 وإم-302 وهي شكّلت مفاجأة للاحتلال الذي اعترف بأنه كان يجهل وجودها.
3- قصفت حماس أهدافاً جديدة غير القدس وتل أبيب مثل حيفا، وهي على بعد 150 كلم شمالي قطاع غزة، إضافة إلى الخضيرة وكفرسابا.
4- ضربت حماس لأول مرة مدينة “ديمونا” حيث المفاعل النووي الإسرائيلي، وهي مدينة لم تقصفها الجيوش العربية، في رسالة تحدّ وإظهار للقوة.
5- استخدمت حماس أسلوب “غزارة النيران”، فخلال يوم الخميس 10 تموز/يوليو الماضي أطلقت حماس 141 صاروخاً، وهو ما دفع الاحتلال الإسرائيلي للاعتراف بأن حماس أطلقت صاروخاً بمعدل كل عشر دقائق.
6- تعمّدت حماس التنوّع في سلّة الأهداف، فقصفت تجمعات سكانية، ومرافق اقتصادية، ومراكز مدن، وعقد مواصلات، ما أوجد حالة من الذعر والانهيار عند الإسرائيليين، وباتت مشاهد الخوف والهلع والهروب لدى عناصر جيش الاحتلال والمستوطنين منتشرة في كل وسائل الإعلام. لا بل إن عشرات الحرائق التي اشتعلت بسبب الصواريخ ساهمت في خلق أجواء من الرعب.
نتيجة لذلك، بدأت صرخات القطاعات الاقتصادية تنطلق، وأعلن عن خسائر بمليارات الدولارات، وإغلاق 500 مصنع في إطار 40 كيلومتراً من غزة، ورفعت آلاف الشكاوى تطالب بالتعويض، وسجّلت خسائر كبيرة في صناديق الائتمان.
أما سياسياً، فكان للكلمة التي وجّهها خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أثراً كبيراً في الأبعاد السياسية للعملية، حيث كشف عن الضغوط الدولية وتحديداً التدخلات الأوروبية لوقف إطلاق النار، وشدّد على ضرورة توقّف العدوان الإسرائيلي بدون أية شروط.
ظهور مشعل بالشكل الذي ظهر فيه وعليه علامات الارتياح السياسي والهدوء، أكّد اطمئنان حماس لنفسها وارتياحها لأدائها الميداني، ولتماسكها السياسي والشعبي وثقتها بقدرتها على تحقيق الأهداف.
وظهرت حماس ذات وزن سياسي وشعبي وعسكري كبير، وأكدت كذلك وزنها الإقليمي، رغم كل محاولات الحصار والتشويه والاتهامات.
وصدرت أصوات سياسية وإعلامية كثيرة تنتقد أسلوب التعامل مع حماس بالشكل الذي تمّ عليه في السابق، ما أوجد غياباً للجهات القادرة على التواصل مع الحركة بعدما احتاجت أطراف كثيرة لهذه الوساطة.
وهذا ما يظهر أن أي وقف لإطلاق النار لا بد أن يلحظ حاجات حماس ومطالب الشعب الفلسطيني وخصوصية الوضع في قطاع غزة.
بالنسبة لأداء الكيان الصهيوني
فتميز أداء
الكيان الصهيوني
في اليومين الثالث والرابع بما يلي:
!!
تميّز اليومان الثالث والرابع بتوسّع الكيان الصهيوني في استهداف المدنيين وقتل الأبرياء، إذ خلال 24 ساعة فقط ارتفع عدد الضحايا من 30 إلى 90، وأبيدت عائلات بكاملها مثل عائلة الحاج التي استشهد ثمانية من أفرادها.
التوسّع في دائرة استهداف المدنيين كان من أجل الضغط على الفلسطينيين للقيام بردّ فعل شعبي ضدّ حماس يجبرها على وقف قصفها للكيان الصهيوني من جانب واحد ومن دون شروط.
وهذا الأسلوب يدلّ على عدم وجود معلومات استخبارية، وفشل كل الأساليب السابقة، وخلل في تحديد الأهداف بالنسبة للإسرائيليين.
وعجز الاحتلال أيضاً عن استهداف منصة إطلاق صواريخ واحدة، أو عن اغتيال مجاهد يطلق الصواريخ، وعملت آلته الإعلامية على تضخيم عملية تدمير منازل قيادات المقاومة فقط.
الفشل الإسرائيلي الميداني يقابله فشل سياسي، إذ ظلّت الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن اتخاذ قرار بالعملية البرية، ظهر تردّدها واضحاً، واتسعت خلافاتها الداخلية، ولم يجد نتنياهو ما يقوله لمجتمعه، وبرز تباين كبير بين المواقف الإسرائيلية والمواقف الأمريكية والأوروبية التي كانت عادة تؤيد كل ما تفعله الحكومات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين، لكن هذه المرة كانوا متحفظين للغاية.
وفي حين ظهرت حماس من خلال مواقفها السياسية والعسكرية قوية وواضحة وتتحرك بحيوية ومرونة، ظهرت الحكومة الصهيونية مضطربة ومترددة وتائهة، وبدت الجبهة الداخلية هشة.
من الواضح أن حركة حماس فتحت عهداً جديداً من المواجهة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، وعهداً جديداً من المقاومة، وباتت (إسرائيل) تخشى المجهول أكثر من أي وقت مضى. وفيما يبدو أن نتنياهو “نكش” عشّ الدبابير من دون أن يدري.
المصدر / رأفت مرة | المركز الفلسطينى للإعلام