يبدو أن الفريق يوسف بن علي الإدريسي سيسجل سابقة تاريخية في سجل الترقي في المناصب على حساب «أمراء» من العائلة المالكة في السعودية، مع العلم أنه سبق ودار نقاش واسع على مواقع التواصل الإجتماعي بخصوص حقيقة نسبه «الإدريسي»، في بلاد يعتبر «النسب» فيها، عاملاً أساسياً في حصول الفرد على امتيازات المنصب والثروة والقرب من العائلة المالكة.
إعفاء بندر بن سلطان من مهامه كرئيس للإستخبارات السعودية لم يكن مفاجئاً، لا شكلاً ولا مضموناً، فالتسريبات كانت قد سبقت القرار بأشهر، مشفوعة بعذر تخفيفي للأمير «الفاشل» في تأدية مهامه وانجاز الملفات المطلوبة منه، بحجة وضعه الصحي الذي يحتاج الى عناية ونقاهة، أمضى نصفها في الولايات المتحدة الأميركية والنصف الآخر في المملكة المغربية.
أما قرار تعيين الفريق أول ركن يوسف بن علي الإدريسي كرئيس للجهاز المخابراتي الأول في المملكة والمرتبط بشكل مباشر بالملك، فلم يكن أيضاً مفاجئاً وإن كان غير متوقع، حيث سبق وتم ترفيع وترقية الإدريسي بمرسوم صادر بتاريخ الخامس من آب لعام ٢٠١٢ وتعيينه نائباً لرئيس الاستخبارات العامة، مكان الأمير عبدالعزيز بن بندر بعد إعفائه هو الآخر من منصبه.
التنحي المفترض للأمير بندر بن سلطان عن رئاسة جهاز الاستخبارات العامة السعودي، كان متوقعاًَ منذ بداية العام الحالي، حيث توقعت مصادر دبلوماسية وأخرى إعلامية غربية، أن تسهم الوقائع الميدانية في سوريا في دفع المملكة الى الرضوخ للرغبة الأميركية باستبدال بندر، بعد فشله في تحقيق الإنجازات المطلوبة في الميدان السوري من خلال إدارته لملف الدعم والتدريب المُخصص لفصائل المعارضة السورية المنضوية تحت إمرة المملكة.
ومع التطور اللافت في العلاقات الأميركية – الأوروبية – الإيرانية، الذي ترجم لاحقاً بتوقيع الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني بين ايران ومجموعة ٥+١، لتظهر بعده بوادر انتفاضة سعودية، معاكسة، حاولت من خلالها المملكة تسجيل اعتراض على هذا التقارب أولاً وعلى نتائجه المتوقعة ثانياً، وعلى محاولة اظهار المملكة بالطرف الإقليمي «الفاشل»، لكن المزيد من الضغوط الأميركية التي توجت بزيارة الرئيس أوباما مؤخراً إلى الرياض، يبدو أنها أعادت ترويض «متشددي» المملكة ودفعت بالإجراءات التصحيحية المرتبطة بالنظام الحاكم وهيكلة ادارته للبلاد والملفات الخارجية إلى الأمام مجدداً.
قد لا يكون من المبالغة القول أيضاً أن أفضل ترجمة لرضوخ المملكة للرغبات الدولية بمحاصرة الاسلاميين الذين بدأوا يتمددوا في كافة الاتجاهات، هو التسوية الحاصلة في لبنان، بدءاً بتشكيل الحكومة «السلامية» ووصولاً إلى مفاعيل اللمسة السحرية التي استطاعت في أقل من أسبوع انجاز واحد من أكثر الملفات الأمنية تعقيداً، سواء على صعيد تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس أو انتشار الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في عرسال وانتهاء دورها كممر ومقر للجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا من جهة وترسل المفخخات الى لبنان من جهة أخرى.
بالعودة الى تعيين الإدريسي، والاتهامات التي سبق وسيقت بخصوص نفي نسبه إلى أسرة الأدارسة (حكام جيزان قبل نشوء المملكة)، فقد استند مطلق الاتهامات الناشط السعودي على موقع التواصل الإجتماعي «مجتهد»، الى وثائق قال أنه حصل عليها وبعضها نشر في الصحف السعودية، على شكل اعتراض من قبل أحمد الحسن الإدريسي عميد الأدارسة في وقته مع شقيقه علي الحسن الأدريسي على قيام الفريق يوسف الإدريسي بنشر نعي لعمه بإسم محمد بهجت الإدريسي.
كما أرفق «مجتهد» تغريداته بعدة وثائق قال أنها صادرة عن عائلات الإدريسي وحرشة في مصر، تؤكد عدم نسب أدارسة السعودية للعائلة المرتبطة بالنسب لآل بيت النبي محمد (ص) والتي يتحدر معظم أفرادها من المغرب.
قد لا يكون لما أثاره «مجتهد» من اتهامات، نصيب من الصحة، أو لعله مجرد انعكاس للخلاف المستحكم بين أجنحة العائلة الحاكمة في السعودية، لكنه بالتأكيد يعكس حقيقة صعوبة تقبل جزء كبير من مجتمع يحتكم للأنساب في تقييمه للأفراد، وصول فرد من خارج العائلة الحاكمة الى مواقع قيادية كما حصل سابقاً مع رئيس الديوان الملكي خالد بن عبد العزيز بن عبدالمحسن التويجري على الرغم من سطوته الواسعة، واتهامه بالوقوف خلف معظم الإجراءات والقرارات والتعيينات الصادرة عن الملك السعودي.
المصدر / المرصد