منذ التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر من ثلاثة عقود ، باتت مصر حليفًا لا غنى عنه في الشرق الأوسط . بيد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أخطأت في جعل الرئيس السابق حسني مبارك ، الذي استمرّ في سدة الحكم زمنًا طويلاً ، العمود الفقري لهذا الحلف الحيوي . فلسنوات عدة أعطت الولايات المتحدة مبارك الحرية المطلقة لقمع المعارضة السياسية ومحاولات الإصلاح ، إلا أن هذا النهج غير مستدام ويتصف بقصر النظر.
في الواقع، لا يمكن أن يقع مصير علاقة بهذه الأهمية على كاهل الشخص الذي يحكم مصر في مرحلة ما ، بل يجب أن يكون لها جذور أكثر شعبية. وبما أن عملية إرساء الديمقراطية الحقيقية في مصر قد تتطلب سنوات ، يمكن للولايات المتحدة أن تستغل حجم المساعدات الكبيرة الذي تزود مصر بها لضمان احترام سيادة القانون وتطبيقه في البلاد.
يتوقع عدد كبير من المصريين أن تحسن الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الوضع الحالي أو بالأحرى أن تحقق إنجازًا ثوريًّا بالفعل . لكن بغياب التقدم، من المرجح أن ينزل الشعب إلى الشارع من جديد ليمنع السيسي من إتمام ولايته بالكامل . كما قالت إسراء يوسف ، وهي طالبة مصرية في كلية الالهيات ، في حديث مع وكالة رويترز: "على السيسي أن يفعل شيئًا في الأيام المئة الأولى من عهده . فالشعب سيراقبه عن كثب وقد تحصل ثورة أخرى. هكذا هو الشعب في هذا البلد". وبالاستناد إلى تجربتي الشخصية خلال عملي في "الجمعية المصرية الأمريكية لسيادة القانون"، وهي منظمة لا تبغي الربح تحفز الإصلاحات القانونية في مصر ، يمكنني التأكيد أن إسراء يوسف تصور مزاج الشارع المصري بشكل ممتاز.
فقد أقفل القادة المصريون السابقون كافة القنوات السلمية والمشروعة للتعبير عن الشكاوى ضد الحكومة ، وهذا الامر لم يترك سوى خيارات محدودة أمام الشعب المصري . ويبدو أن مصر بقيادة السيسي تعكس هذه الصورة أكثر فأكثر . فمن وجهة نظر الولايات المتحدة ، لا يمكن القبول بوضع غير مستقر في مصر التي تعتبر حليف إقليمي أساسي . لكن المشكلة هي أنه بكل بساطة لا يمكن للتغيير أن يأتي من داخل مصر.
أثناء عملي مع "الجمعية المصرية الأمريكية لسيادة القانون" رأيت مباشرة القدرة المحدودة للناشطين ومنظمات المجتمع المدني على تحقيق تغيير فعلي على الأرض . فهم لا يملكون الأدوات الضرورية للتوصل إلى حكومة مصرية تخضع أكثر للمساءلة . كما أن الحكومة ، قبل انتخاب السيسي وبعده، لجأت إلى إجراءات قانونية لكمّ أفواه هؤلاء الناشطين والمنظمات وإحباط محاولات الصحفيين وممثلي المجتمع المدني لمساءلة أو انتقاد الوضع الراهن. ونتيجةً لذلك يجب أن يأتي الضغط للإصلاح الحقيقي من لاعب خارجي يتمتع بالمصداقية والقوة والتأثير لتحقيق تغيير سياسي وإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والشعب . وإذا كان للولايات المتحدة أي رغبة بالحفاظ على نفوذها الإقليمي ومصالحها الاستراتيجية الطويلة الأمد ، سيكون عليها الاضطلاع بهذه المهمة والمساعدة على احتضان نظام يحترم سيادة القانون في مصر.
وبذلك يكون على الولايات المتحدة أن تحافظ على شعرة معاوية ما بين الاظهار لمصر بأن تعزيز سيادة القانون هو أولوية أمريكية، وبين دفعها إلى أيدي الخصوم كروسيا والصين . وعلى إدارة الرئيس أوباما أن تتواصل مع الرئيس السيسي وتطمئنه بأن العلاقات الثنائية سليمة . لكن في الوقت نفسه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تغض النظر عن انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان كتوقيف اشخاص بدون مذكرات مسبقة واصدار ادانات قضائية من دون محاكمات وفق الأصول . مع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يجب على واشنطن أن تربط مساعداتها باتخاذ مصر تدبير معقول مقابل استمرار أو تعزيز الدعم الأمريكي ، ألا وهو تكريس سيادة القانون.
أكانت مصر جاهزة لديمقراطية على الطراز الغربي أم لا ، فقد برهنت الأحداث في السنوات الثلاثة الأخيرة أن المصريين يريدون حكومة تستجيب للإرادة العامة وتتحمل مسؤولية أعمالها وانتهاكاتها . على الولايات المتحدة أن تساهم في تحقيق هذا التغيير إذا أرادت أن تحافظ على مصر كحليف قوي ومستقر.
مشاركة الطالب / فادي ابراهيم