عندما يصنع رجال الدين المغالين في التحفظ الأخبار، فغالباً ما تكون تلك لأسباب محرجة: إطلاق الفتاوى على سبيل المثال ضد المسلسلات أو للإقرار بأن ميكي ماوس هو جندي من جنود الشيطان.
ومع ذلك ففي الآونة الأخيرة اصطنع أحد أشهر رجال الدين في المملكة العربية السعودية، سلمان العودة، نوعا مختلفاً من المتاعب. فقد ذكر ان النظام الملكى السعودى سيواجه الكارثة وسيخسر شعبه بعد أصدقائه اذا استمر على نفس الطريق .
كان لدى السيد العودة الميل نحو لحظة التحول أثناء ثورات الربيع العربي في 2011م ومنذ تلك اللحظة أصبح المشجع العاطفي للديمقراطية والتسامح المدني. لديه أكثر من 4.5 مليون متابع في التويتر وعدة ملايين من المتابعين لمنشوراته على صفحته التلفزيونية المنتظمة على اليوتيوب، مما يجعل منه شوكة عظيمة في خاصرة الملكية السعودية. من الممكن أن يصبح العودة فظاً بشكل خطير، على الأقل وفقا للمعايير السعودية، وقد عبرت الحكومة عن استيائها بوضوح، مانعة إياه من وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة ومن السفر.
قال العودة البالغ من العمر 57 سنة وذو اللحية الحمراء المصبوغة بالحناء وبوجه من الصفاء الرزين قال: “الحكومات الخليجية تحارب الديمقراطية لأنها تخشى من مجيئها إلى هنا. أنظر ما الذي فعلوه في مصر – أرسلوا بلايين الدولارات صحيح عقب الإنقلاب في الصيف الماضي. هذا هو المشروع الخليجي، وليس مشروعاً مصرياً. والحكومة السعودية تخسر أصدقائها. إذا استمرت على هذا الدرب فستخسر شعبها وسترحب بالكارثة.”
وافق العديد من المحللين على ذلك التحذير ويرون في العودة – الذي أول ما ظهر في عالم الشهرة منذ عشرين عاماً مضت كناشط محافظ متشدد – يرون فيه شخصية شعبية. إن دعوته الواسعة، في دولة متحمسة دينياً حيث أغلب رجال الدين هم إمعة الحكومة مدفوعي الأجر، أشارت إلى عدم رضاء متزايد ببطء على الحكم الفاشستي، مثلما يقولون.
السيد العودة، وحيداً بين رجال الدين السعوديين، بانفتاح رحب بالثورات العربية لعام 2011م، حتى أنه نشر كتاباً بعنوان ” أسئلة الثورة” والذي حظر على الفور هنا ولكنه انتشر على نطاق واسع على الانترنت، الكتاب الذي بني على النصوص الإسلامية وعلى التاريخ الإسلامي ليستخلص بعض الاستنتاجات غير التقليدية جداً: بأن الديمقراطية هي الشكل الشرعي الوحيد للحكومة، وأن الإسلام لا يسمح بالدولة الخاضعة لحكم رجال الدين (الثيوقراطية)، وأن الفصل بين السلطات مطلوب، وأن أسوأ استبداد هو ذلك الذي يمارس باسم الدين.
تلكم المبادئ ربما تكون مألوفة لدى الأذن الغربية. ولكنها بالنسبة لرجل دين يقدس الملكية المطلقة، تعتبر غير طبيعية وتمثل قطيعة جذرية مع الماضي. وفي هجر آخر، كُتِبَ الكتاب بأسلوب سهل، ومن وجهة نظر عالمية نسبياً مقتبساً فلسفة قانونية إسلامية مع فلسفة أشخاص من أمثال ميكا فيلي وروسو.
العديد من الليبراليين العرب ينظرون إليه بريبةٍ شديدةٍ. وهذا جزئياً بسبب – والذي من السهل التنبؤ به -؛ أنهم يخافون من كونه وكأي إسلامي آخر يروج للديمقراطية فقط ليستخدم ذلك كجسر للوصول إلى السلطة. ولكن التاريخ الشخصي للسيد العودة، كما يقولون، يعطيهم أكثر من سبب لعدم الثقة به.
في فترة مبكرة من التسعينيات كان السيد العودة قائد لحركة الصحوة لمنظرين محافظين اللذين انتقدوا حكومتهم لسماحها للقوات الأمريكية بالدخول إلى المملكة العربية أثناء حرب الخليج الفارسي في العام 1991م. ولقد أقتبس أسامة بن لادن بعضاً من كلامه تأييداً له، وأمضى فترة خمس سنوات في السجن لتحريضه المتمردين ضد الملكية بناءً على أسس إسلامية.
وفي العام 1999م الذي أطلق سراحه فيه أصبح حذراً للغاية وسمحت له السلطات بأن يبدأ بنشر برنامجه التلفزيوني على شبكة ام بي سي التي تتخذ من دبي مركزاً لها وهو البرنامج الذي ابتعد عن المواضيع السياسية والذي جذب العديد من المتابعين. ألغي هذا البرنامج بسرعة قبل ثلاث سنوات بعدما تحدث العودة مؤيداً للربيع العربي.
بالنسبة للعديد من نقاده العلمانيين لا يزال هو في نظرهم الذئب الإسلامي المتنكر. وحتى تحوله الأخير، كما يقولون، ما يعكس إلا سوء تقدير لذلك الإنتهازي الذي يتوقع سقوط العائلة الملكية السعودية. وهم أيضا يسخرون منه بإعتباره منافق. ففي العام 2003م لاحظوا أن العودة تقدم بإلتماس شخصي لوزيرالداخلية لكي ينقذ ابنه الشاب الذي ذهب إلى العراق ليحارب الغزاة الأمريكان. (أرسل الوزير طائرة هليكوبتر إلى الحدود وأعاد الشاب إلى بيته)
ولكن العديد من الأشخاص الآخرين ينسبون إليه تطور شخصي أصيل. لقد ترعرع في البريدة، قلب صحراء المملكة المقاومة للتغيير بشدة، والذي تلقى تعليمه في بيئة متزمتة وكارهه للأجانب أو الغرباء. ولكن آراءه بدأت تتغير أثناء فترة سجنه حيث أتيح له الوقت ليقرأ أكثر فأكثر وفقاً لما نشره في مذكراته في السنوات الأخيرة. ويبدو أن هجمات إرهابيو القاعدة على المملكة العربية في الفترة ما بين 2003م و 2005م دفعت به ليتخذ موقفاً أقل تطرفاً.
إن ذلك التطور التدريجي يعكس التحرر البطيء الحادث في المجتمع السعودي على مدى العشرين سنة الماضية. يتمتع العودة بأذن صاغية للحالة الشعبية وغالباً ما يجسد نفسه في شخصية الوالد المرشد في منشوراته المتلفزة على اليوتيوب. ففي فصل الخريف بث مقطعاً بعنوان “أنا مثلك” يظهر فيه صوراً لمهاجرين آسيويين وأفريقيين كما أنشد نصاً شعرياً عن الحاجة لاحترام الآخرين. ربما يبدو ذلك كالعقار المسكن، ولكن هذا المقطع تم بثه أثناء قيام الحكومة بحملة ضد المهاجرين الغير شرعيين والتي فجرت بعض المواجهات العنصرية البغيضة. بالنسبة للعديد من السعوديين، لقد جاء ذلك المقطع متماشياً مع دعوة العودة لرؤية أكثر اعتدالاً وشمولية من أجل البلاد.
سُئِلَ عن آرائه المتغيرة، فقلل العودة من أهمية هذا التغيير وقال فقط بأنه “يرى أكثر وضوحاً” الآن أكثر مما كان يرى عندما كان أصغر سناً. لاشك في أنه مقتنع لأبعد حد بالحاجة للمشاركة الشعبية في الحكومة، وهو راغب – من جديد – في أن يعرض نفسه لغضب الأسرة الملكية.
وقد اعلن العودة صراحة عن إعجابه بالميول الديمقراطية لجماعة الإخوان المسلمين والتي هي لعنة على الملكيين السعوديين.(أعلنت الحكومة رسمياً جماعة الإخوان جماعة إرهابية في الشهر الماضي.) وفيما خص الحرب على سوريا – الموضوع الذي يلقى إهتماماً عظيماً هنا – السيد العودة مذهول من دور حكومته. وقال العودة بلمحة من السخرية الظاهرة على عينيه البنيتين “الموقف السعودي من سوريا؟ دعونا نرى: الحكومة السعودية تكره بشار الأسد, تكره القاعدة، تكره مجموعات سلفية معينة، تكره الأكراد، وتكره الجماعات المرتبطة بقطر وتركيا. إذا ما الذي تحبه هذه الحكومة؟
لقد كان الشيخ العودة من أوائل المنذرين السعوديين بأن الحرب الأهلية ستجذب تدفقات مدمرة من الجهاديين إذا استمرت لفترة زمنية طويلة جداً. وهنا أيضاً رأيه أقل تشدداً من معظم أولئك السعوديين الذين يؤيدون الجبهة السنية في أي نزاع. وقال بحزن بأن “الحملة الطائفية الموجودة هناك هي من كلا الطرفين: السنة والشيعة.”
ربما يكون النقد الأكثر حدة الذي وجه للعودة هو أنه يحب أن يكون محط الأنظار وبأنه يشحذ رسالته بمناشدة الفئة الشبابية من سكان المملكة العربية السعودية. قال بعض النقاد بأنه يرى في نفسه خلفاً ليوسف القرضاوي، العالم الديني البالغ من العمر سبع وثمانون والمصري الجنسية الذي يتخذ من قطر مركزاً، والذي ظل لفترة طويلة الشخصية المرشدة لجماعة الإخوان المسلمين.
تجاهل الشيخ العودة مثل تلك التكهنات وقال بأنه راض عن مقدرته المتواضعة التوعوية عبر وسائل الإعلام الاجتماعية. إن التغييرات التي بدأت مع ثورات 2011م لم تغير من اتجاهها وهو يتوقع أن يشهد أحداثاً غير اعتيادية. وقال الشيخ العودة: “أكثر من أي وقت مضى في حياتي، هذا العصر عصر المفاجآت، يمكنك أن تتوقع أي شيء في السنوات القادمة.”
الطريق الطويل لحقوق المرأة السعودية مع اتهام الملك عبدالله بأخضاع بناته للاقامة الجبرية ؟
عندما انكشفت حادثة حبس أربع أميرات سعوديات في وقت سابق من الشهر الجاري في منزلهن بجدة على أيدي أفراد من عائلاتهن، سارعت المملكة العربية السعودية باحتواء الأضرار الناتجة عن هذا الأمر.
خلال أسبوع، بدأت عدة صحف بريطانية تتواصل مع هيومن رايتس ووتش، وتسأل عما إذا كنا نعرف شيئا عن بيان إحدى شركات العلاقات العامة بإنجلترا تدعى أن السلطات السعودية بصدد إصدار “بيان مهم” حول حقوق المرأة في السعودية.
لم نكن نعرف، لكن في غضون بضعة أيام، كان من المقرر مثول السعودية أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، للحديث عن سجلها الحقوقي.
لكن “البيان المهم” لم يأت أبدا. وبدلا من ذلك، أبلغ رئيس هيئة حقوق الإنسان بالحكومة السعودية، د. بندر العيبان، مجلس حقوق الإنسان عن الخطوات العديدة الصغيرة والإيجابية التي اتخذتها الحكومة تجاه حقوق المرأة. وأشار إلى أن النساء السعوديات سيكون من حقهن التصويت والترشح في الانتخابات المحلية في أغسطس/آب 2015، ولفت إلى قانون جديد صدر في أغسطس/آب 2013 لحماية المرأة من العنف الأسري ـ وهو أول قانون في تاريخ المملكة السعودية يجرم العنف الأسري. وتحدث عن كيف أن المملكة “اتخذت خطوات واسعة وثابتة لتحسين جميع مناحي الحياة” بالنسبة للنساء.
لكن البيان الغريب الذي وصل للصحفيين من شركة العلاقات العامة يوحي للصحفيين بأن السلطات السعودية تسعى لإطلاع الرأي العام البريطاني على الخطوات الإيجابية الصغيرة لحقوق المرأة، وتوجيه الحديث بعيدا عن بنات الملك.
وظفت السلطات السعودية استراتيجية مماثلة بحماس بالغ خلال العامين الماضيين، بالكثير من البيانات الصحفية والقصص الخبرية التي تتناول أموراً تحدث “لأول مرة” فيما يخص المرأة السعودية، مثل قصة أول محامية، أول رئيسة تحرير، أول نائبة وزير، وعضوات بمجلس الشورى، وغيرها من الأمثلة.
هذه الخطوات مهمة، وتظهر أنه من المرجح استمرار الإصلاح التدريجي لحقوق المرأة. لكن كما ظهر من أحداث الأسبوع الماضي، يبدو أن السلطات السعودية تستخدم تلك المكاسب الصغيرة أيضا لإخفاء أوجه القصور الرئيسية في قضايا كبرى متعلقة بحقوق المرأة.
الحبس وإخضاع بنات الملك عبد الله للإقامة الجبرية انتزع الاهتمام الدولي لكونه ينطوي على اسم أقوى رجل في المملكة. لكن في الواقع فكل الرجال في السعودية ـ ليس فقط بالنسبة للنخبة الحاكمة ـ يسمح لهم بممارسة السيطرة الكاملة على تحركات ذويهم من النسوة البالغات. إذا ما اختاروا تقييد حركة المرأة، فليس واضحا ما إذا كانت السلطات ستعتبر هذا الامر اعتداء.
رغم بعض الإصلاحات الصغيرة، فالمرأة السعودية محرومة إلى حد كبير من حقها في أن تعامل باعتبارها كاملة الأهلية القانونية مثل الذكور، سواء كن من بنات الملك أم غيرهن من النساء السعوديات. نظام الوصاية الذكورية يتطلب من المرأة الحصول على إذن من ولي الأمر الذكر ـ شقيقها، أو أبوها، أو حتى ابنها ـ للسفر إلى الخارج، وتحصيل التعليم العالي، والخضوع لإجراءات طبية معينة. التمييز على أساس الجنس وحظر قيادة النساء السيارات يحيلهن إلى مواطنات من الدرجة الثانية.
ببساطة لا نعرف، على سبيل المثال، كيف أن التشريع الجديد ضد العنف الأسري سيكون له أثر حقيقي على النساء المعنفات عندما يتطلب الأمر الدعم اللوجستي أو الانتقال بعيداً عن أقاربهن الذكور، الذين هم أنفسهم قد يكونون المعتدين، للإبلاغ عن الانتهاكات أو الهروب من الاعتداء.
كان الدكتور العيبان قد قال إن “النساء في المملكة السعودية العربية تلقين الدعم المباشر من… الملك عبد الله… ويتم تشجيعهن ودعمهن من أجل حصول المرأة على المشاركة في جميع مناحي الحياة”. إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فالملك عبد الله ـ باعتباره أعلى سلطة في المملكة وولي أمر زوجاته وبناته غير المتزوجات ـ بحاجة إلى اتخاذ خطوات تتجاوز الخطوات الضئيلة المتواضعة؛ عليه أن يضع نهاية للوصاية الذكورية على النساء، بما في ذلك اشتراط موافقة ولي الأمر على سفر المرأة للخارج، وإلغاء الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات. أي شيء دون ذلك سيكون مجرد مسكنات في أحسن الأحوال، أو في الأسوأ محاولة لإخفاء حقيقة أن السعودية لا تزال تمارس التمييز المنهجي ضد النساء.
المصدر: نيويورك تايمز و هيومن رايتس ووتش