لم تعبأ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني بالتحذيرات السعودية والغضب الخليجي بسبب عزمها إجراء تحقيق برلماني عن علاقات بريطانيا بالسعودية والبحرين في ضوء الاحتجاجات القائمة وحقوق الإنسان في البلدين، فضمنت تقريرها يوم أمس مطالب عدة حول ضرورة عمل الحكومة البريطانية على دفع البلدين نحو مزيد من الإصلاحات الحقوقية.
لكن تقرير اللجنة البريطانية أثار سلسلة من المراجعات داخل الحكومة البريطانية بسبب التخوف من تأثر الميزان التجاري البريطاني مع السعودية. ووجهت وسائل إعلامية بريطانية تساؤلات عن دواعي التوتر في علاقات المملكة المتحدة مع السعودية وغيرها من دول الخليج العربية.
وكان تقرير للجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم صدر أمس أشار إلى أن السعودية "بلد موضع اهتمام" بشأن سجل حقوق الإنسان فيه، رغم التحسن في هذا السجل. كما طالب التقرير بتحسين سيادة وزارة الخارجية تجاه البحرين والمساعدة في وقف التعدي على المتظاهرين هناك.
لكن التقرير البرلماني أوضح انه على الرغم من إدانة منظمة العفو الدولية للسجل الحقوقي السعودي ورصد حوادث تعذيب في المعتقلات السعودية إلا أن هذا الرصد يحتاج إلى توثيق. وتطرق التقرير إلى أن اللجنة البرلمانية مهتمة بارتفاع مبيعات الأسلحة لدولة مثل السعودية محط نقد حقوقي برلماني حيث بلغت المبيعات البريطانية للسعودية عام 2011 ما يزيد عن 1735 مليون جنيه إسترليني.
وانتقد التقرير عدم تعاون الحكومة البريطانية ممثلة بوزير شؤون حقوق الإنسان جيرمي براون في التثبت وفحص العقود مع دول لا تحترم حقوق الإنسان وقد تستعمل الأسلحة البريطانية في عمليات قمع داخلية. وأبلغ عضو اللجنة النائب مايك غيبس "الغارديان" أنه "مندهش للغاية من رد فعل السعودية الغاضب، ولا يعرف ما إذا كان ناجماً عن سوء فهم أم أجندة أخرى".
وقال التقرير البرلماني البريطاني أنه من البديهي أن تكون للمملكة المتحدة مصالح تتعارض مع قيمها التي تدّعيها في مجال حقوق الإنسان، وقد تكون هذه المصالح، على سبيل المثال، إستراتيجية أو تجارية أو أمنية، ولتحقيق هذه المصالح- جنبا إلى جنب مع العمل في مجال حقوق الإنسان في الخارج- قد تضطر بريطانيا إلى اتباع سياسة الكيل بمكيالين.
وتابع التقرير أنه في هذا الصدد يصبح من مصلحة الحكومة البريطانية أن تكون أكثر شفافية، وعلى الوزراء أن يكونوا أكثر جرأة في الاعتراف بأن هناك تناقضات؛ وذلك عوضا عن محاولة التأكيد على أنه يمكن أن يتم تحقيق المصالح والعمل على تطبيق حقوق الإنسان في نفس الوقت.
وأشار التقرير إلى أنه من بين مهام الحكومة ضرورة عرض أحكامها وشرح ما يتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين الجانبين في حالات معينة، بعد أن تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى تكييف السياسات وفقا للتطورات والظروف المحلية. ونصح التقرير الخارجية البريطانية بأن تراجع معايير تسميتها لـ "الدول المثيرة للقلق"؛ وإذا أرادت أن يكون لها حد أدنى من المصداقية عليها أن تستند إلى معايير حقوق الإنسان وتكون مقارنتها موضوعية.
وأضاف التقرير البرلماني البريطاني أنه لا ينبغي لعوامل خارجية من قبيل الاعتبارات الإستراتيجية أو قدرة المملكة المتحدة على التأثير في التقدّم، أن تأثّر في تلك القرارات التقييمية. وإذا تجاهلت الخارجية البريطانية توصياتنا وواصلت العمل وفق المقاييس التي تعتمدها الآن من المستحسن أن يستخدم المسؤولون عن هذا الملف مزيدا من المرونة في تخصيص الأموال من ميزانيات برنامج حقوق الإنسان للبلدان التي ليست "دولا مثيرة للقلق" حيث يوجد قصور في احترام حقوق الإنسان وحيث يمكن ترك تأثير إيجابي بنسبة مرتفعة.
وقالت صحيفة الجارديان إن ما قيمته مليارات الجنيهات الإسترلينية من الصادرات والآلاف من فرص العمل معرّضة للخطر بسبب الخلاف الذي سبّبه التحقيق البرلماني مع السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومن المتوقع أن يقوم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بمعالجة هذا الخلاف في حفل عشاء يقيمه الليلة مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين الذي يتزعمه.
وأضافت أن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم "البرلمان" البريطاني انتقدت في تقرير أصدرته أمس حكومة كاميرون ما اعتبرته "فشلها في مقاطعة سباق البحرين للجائزة الكبرى لسيارات الفئة الأولى "الفورمولا 1" في وقت سابق من هذا العام بسبب المخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان فيها نتيجة عوامل سياسية وإستراتيجية".
ونسبت الصحيفة إلى تقرير اللجنة البرلمانية قوله "وجدنا صعوبة في تحديد أي سياق منطقي وراء سياسة الحكومة "البريطانية" عدم اتخاذ موقف تجاه سباق "فورمولا 1" في البحرين، وفرضها مقاطعة جزئية على مباريات بطولة كأس أوروبا 2012 لكرة القدم في أوكرانيا".
وأشارت إلى أن السعودية والإمارات اللتين تستأثران بما قيمته 8 مليارات جنيه استرليني من الصادرات البريطانية انتقدتا السياسة البريطانية وهدّدتا بمراجعة علاقاتهما مع المملكة المتحدة. وقالت "الغارديان" إن حملة تجري الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة لمقاطعة البضائع البريطانية بذريعة دعم لندن لحركة معارضة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وكانت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كشفت الاثنين الماضي أن السعودية تعيد تقييم علاقاتها مع بريطانيا جرّاء ما اعتبرته "تعرّضها للإهانة من قبل تحقيق برلماني حول تعامل المملكة المتحدة معها ومع البحرين".
ونسبت "بي بي سي" إلى مسؤولين سعوديين قولهم إنهم "يعيدون الآن تقييم علاقات بلادهم التاريخية مع بريطانيا وسينظرون في جميع الخيارات"، كما نقلت عن السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف آل سعود قوله "لن نتسامح أو نقبل بأي تدخل أجنبي في عمل مجلس التعاون الخليجي.. وعلاقات السعودية مع المجلس مسألة داخلية بين الدول الست "السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان" ونحن لن نحتمل أو نقبل أي تدخل خارجي في عمله".
وأشارت الهيئة إلى أن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني كانت أعلنت الشهر الماضي أنها ستفتح تحقيقاً واسع النطاق في علاقات المملكة المتحدة مع السعودية والبحرين "سينظر عن كثب في كيفية موازنة مصالحها المختلفة مع البلدين في مجالات الدفاع والتجارة والأمن ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان".
مشاركة العضوه / ام ريان الاحمدي