تربع رجب طيب أردوغان على العرش الأيديولوجي لمنطقة الشرق الأوسط وقبل هذا على قلوب الملايين من المسلمين والعرب وذلك بعد خطوات مسرحية في مواجهة إسرائيل أثمرت عنها زعامة إسلامية لدولة مدنية قيل إنها نموذج يحتذى به لباقي دول المنطقة. هبت رياح "الربيع العربي" وبدأت أنقرة بالتحرك بالتحليق على بساط الإسلام السياسي بالتزاوج مع استراتيجية الأطلسي إلى أن غاصت في المستنقع السوري. انطلاقا من فشل أردوغان الذريع في التعامل مع دمشق وتداعياته جاءت دعوته لمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني استباقا لمؤتمر حاسم لحزبه العدالة والتنمية الحاكم حيث سيرسم ملامح سياسته وهيمنته المستقبلية على السلطة في البلاد، لكن ما لا شك فيه أن دمشق هي من ستحدد مستقبل السلطان بناء على وقائع وأحداث تجري في المنطقة .
المفاوضات مع أوجلان .. قشة الغريق أردوغان !
فجر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مفاجأة من العيار الثقيل تحمل رسائل بغير اتجاه عندما أعلن استعداده لإجراء مفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي يقبع في الحجز الانفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة في تركيا منذ أن قبض عليه عام 1999 في كينيا في عملية مشتركة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووكالة الاستخبارات التركية، وبالرغم من أن الحكم الذي صدر بحقه هو الإعدام، إلا أنه تحول إلى الحبس مدى الحياة عندما ألغت تركيا وبشكل مشروط عقوبة الإعدام عام 2002 تماشيا مع هرولتها إلى أحضان الاتحاد الأوروبي،مع الأخذ بعين الإعتبار التطورات التي كان من الممكن أن تحصل في الشرق الأوسط حال أقدمت أنقرة على إعدام الرجل ناهيك عن تداعيات ذلك على النسيج الكردي ودوره في المنطقة.
على أية حال لا يمكننا النظر إلى مواقف أردوغان وتحركاته المحلية والإقليمية دون الغوص في تعقيدات الأزمة السورية وبعدها الكردية، كما أن توقيت موقف أردوغان الذي اشترطه بإلقاء المقاتلين الأكراد لسلاحهم تزامن مع موجة عنف متصاعدة يشهدها جنوب شرقي البلاد - فبحسب أردوغانقتل 144 عنصرا في قوات الامن و239 من المتمردين الاكراد منذ بداية العام ، في حين وصل عدد قتلى الصراع إلى أكثر من 45 ألفا منذ 1984- والحديث عن تسويات سياسية بأبعاد عسكرية للتطورات في بلاد الشام، ليس آخرها إعلان الجيش السوري الحر نقل قيادته من تركيا إلى الداخل السوري وكذلك اشتداد المعارك في حلب لدرجة غير مسبوقة.
أردوغان أدرك قبل أيام من مؤتمر حاسم لحزبه – سنتحدث عن الموضوع لاحقا – أن سياسته في التعامل مع الأزمة السورية قد فشلت فشلا ذريعا وباتت بلاده قاب قوسين أو أدنى من اضطرابات سياسية اجتماعية واقتصادية وعلى الأرجح عسكرية بسبب تهوره والقفزات في مواقفه تجاه التعامل مع دمشق، في حين يمسك الغرب كعادته بأوراق يمكن سحبها عند الضرورة كي تعود المياه إلى مجاريها وكما يقال في العامية "حسبان خط الرجعة" - من هذا المنطلق يمكن فهم سبب نشر معظم الصحف الغربية مقالات وتحقيقات عن المقاتلين الأجانب في سورية وتحت عنوان كبير "الجهاديون" في خطوة تصب في كفة تصريحات دمشق الرسمية – وعليه أقدم الرجل على مهاجمة روسيا والصين وإيران بسبب مواقفهما من سورية، وإلحاق فرنسا وألمانيا في خانة النقد بسبب عدم مساعدتهما له في التصدي لمتمردي حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر أوروبيا وأمريكيا إرهابيا، علما أن باريس وبرلين هما من أغلقتا أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه العثمانيين الجدد ودفعهم نحو الشرق في تحالف بات واضحا في الأزمة السورية، كما أن اتهامات الرجل طالت الدول الاسكندنافية دون أن يتذكر أنه وصناع قراره من عملوا جاهدين على تعيين عبد الباسط سيدا الكردي المقيم في السويد رئيسا للمجلس الوطني السوري في خطوة كانت تهدف إلى التحكم بالورقة الكردية في المعادلة السورية، لكنه فشل. هذا واقع باتت تدركه مراكز صنع القرار في العواصم الكبرى، وربما ما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية خير دليل على ذلك "تركيا تدفع ثمن مواقفها من سورية إقليميا وداخليا وباتت أمام كارثة" .
مؤتمر حزب العدالة والتنمية .. والصراع مع المعارضة !
يعقد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مؤتمره السنوي وقد باشر بأكبر عملية اعادة تنظيم داخلي منذ توليه الحكم قبل عشر سنوات، ووسط خلافات تركية داخلية حادة وصلت لحد اتهامحزب الشعب الجمهوري أردوغان بارتكاب جريمة دستورية وقانونية لاحتضانه ودعمه وتسليحه المجموعات المسلحة التي تستهدف سورية داعيا إلى محاكمته ووزراء خارجيته ودفاعه وداخليته،ويظل عدم تسوية النزاع الكردي حجر عثرة تقف في طريق الرجل الذي يصف نفسه بوريث العثمانيين– في حين يشبهه البعض بالسلطان سليم الأول- ويسعى الى كرسي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2014 ، كما أن إدانة زعيم القوميين في البرلمان التركي دولة بهجلي لارادة أردوغان التحاور مع المتمردين واصفا إياه بـ "جنون لا يغتفر" يزيد من طين الاحتقان الداخلي التركي بلة.
يعقد مؤتمر الحزب الحاكم في تركيا في وقت باتت فيه أنقرة تشعر بحرج شديد جراء تحول صورتها من بلد السياحة الدافىء وما روج له من تكامل الحكم الإسلامي والعلمانية – النموذج الذي يريدون تصديره – إلىبلد خارج عن القانون وملاذ لمسلحي القاعدة وغيرهم من مقاتلين من جنسيات مختلفة وهو ما قد يعكر صفو أردوغان الذي يرفض الاعتراف حتى اللحظة بسماحه للمسلحين بالتمركز على الأراضي التركية واستهداف سورية انطلاقاً من هناك، لكن الواقع هو أن التقارير الإعلامية تفند أردوغان كما أن إعلان الجيش الحر خروج عناصره من تركيا تكذب كل تصريحات المسؤولين الأتراك بأنهم لا يتدخلون في الشأن السوري الداخلي، وعليه سيكون على أردوغان الإجابة عن أسئلة محرجة حول تخبط مواقفه وسياساته لا سيما وأن التوتر بدأ يسود مدينة أنطاكية،في حين كشف آخر استطلاع للرأي أجري في تركيا أن 88 % من المواطنين الأتراك يعتبرون أن سياسات الحكومة الخاصة بالتدخل في شؤون سورية تشكل خطراً على الأمن القومي التركي، وعليه فإن أردوغان مسؤول عن ذلك بشكل شخصي.
الطيب أردوغان يحاول جاهدا أن يجمع الداعمين له ولسياساته في المنطقة ولا سيما تجاه سورية أو على أقل حد إظهار ذلك، ومن هذا المنطلق سيدعم المؤتمر العام لحزبه بحضور قيادات سياسية ودينية عربية وإسلامية، وأهمها من دول الربيع العربي كالرئيس المصري محمد مرسي، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي. داخليا سيقرر المؤتمر مصير أردوغان ووزرائه من الناحية التنظيمية والقانونية الداخلية للحزب، كما سيطرح وجوها جديدة قد تصل يوما إلى زعامة الحزب الذي سيطر على جميع مرافق ومؤسسات الدولة التركية، بما في ذلك أغلبية وسائل الإعلام بما فيها الخاصة. هذا طبعا إذا بقي حزب العدالة والتنمية على قيد الحياة ولم تسقطه تطورات داخلية وموجة غضب شعبية بات من الصعب على السلطات وصفها بالمحدودة.
عرش السلطان يهتز بعاصفة سورية !
دون أي شك إن مصير السلطان أردوغان وأيديولوجيته التي وضعها وزير خارجيته أحمد داؤود أوغلو المدعومة أمريكيا وأطلسيا، سيتحدد في دمشق التيتمنى أن يصلي في جامعها الأموي أكانت النتيجة في بلاد الشام سلباً أم إيجاباً للأطراف المعنية، وهنا يجب الإعتراف بأن النظام السوري أحسن بامتياز لعب الورقة الكردية وصفع العثمانيين بها بشكل مؤلم. وليس سرا التعويل الأمريكي على الإسلام السياسي بنموذجه التركي والتحالف معه للسيطرة على زمام الأمور في المنطقة والحد من النفوذ الروسي الصيني وحليفتهما إيران، وذلك بعد أن تم ضرب الجيش التركي حامي العلمانية في البلاد بزج ضباطه في السجون بعد أن استنفذ دوره واحترقت ورقته.
تركيا تقف عند مفترق طريق سيحدد ماهية الدولة المقبلة، إسلامية ستكون أم علمانية، برلمانية أم رئاسية، وكل ذلك بدعم أمريكي وللحفاظ على مصالح الأطلسي بحسب الأتراك والأمريكان أنفسهم، أما اردوغان فدخل وبقوة في لعبة إسقاط النظام السوري آملا منه أن يتقهقر بسرعة وهكذا كانت تصريحاته النطاطة منذ بداية الأزمة، لكن المعضلة طالت وأخذت أبعادا داخلية تركية تنذر باضطرابات لن تقتصر على مناطق نشاط مقاتلي حزب العمال الكردستاني، كما أن الحديث تجدد عن تفاهمات دولية جرت خلف كواليس الجمعية العامة للأمم المتحدة – التي لم يحضرها أردوغان - قد تخرج بصفقة ترضي الكبار الدوليين بعد مخاض عسير يدفع ثمنه الشعب السوري وحده.
عرش السلطان العثماني الجديد أردوغان بدأ يترنح، والحديث عن سقوطه لم يعد من المحرمات بعد قلب معادلة أوغلو من "صفر مشاكل مع الجيران" إلى "مشاكل مع الجميع" وهنا إلى جانب سورية العراق الساعي إلى الاستقرار وإيران شبه النووية ومن يقف خلفها من حلفاء.
وتحذير تركيا من "المستنقع السوري" !
مخاوف من تورط تركي أعمق في الصراع السوري واستهل الكاتب محمد أيوب تعليقه بصحيفة غارديان البريطانية بأن على تركيا أن تحذر من المستنقع السوري وأنها تجازف بالانجرار إلى صراع تستطيع تفاديه، بخلاف السعودية والولايات المتحدة. وقال الكاتب إن المزاج العام في البلاد كئيب بعد القصف المدفعي عبر الحدود والخسائر في الأرواح على كلا الجانبين. وخلال الأشهر القليلة الماضية كان للحماسة شبه الإجماعية التي دعمت بها تركيا المعارضة السورية أثرها في إفساح المجال لمزاج أكثر تأملا بعد أن أصبحت العواقب السلبية لهذا التدخل واضحة بشكل متزايد.
فقد كان التأييد التركي لحركة الديمقراطية في سوريا مثاليا وواقعيا. وقد شعر حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن شرعيته، التي تستند إلى مؤهلاته الديمقراطية، يمكن أن تُقوض بدرجة خطيرة إذا لم يمد يد العون إلى الحركة المجاورة. وأنقرة أيضا قدرت أن أفضل ما يخدم مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية الطويلة المدى يأتي من دعم المعارضة، على أمل أن المرحلة الانتقالية في سوريا ستكون سريعة والنظام القادم سيكون ممنونا لتركيا على دعمها. كذلك أرادت أنقرة أن تبعث رسالة إلى واشنطن بأنها ما زالت في المعسكر الغربي، رغم الخلافات مع الولايات المتحدة بشأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وبرنامج التخصيب النووي الإيراني.
وأشار الكاتب إلى أنه لفترة من الزمن بدت الأمور تسير كما هو مخطط لها، لكن الأحداث أخذت منعطفا مختلفا جدا. فقد تحولت الحركة الديمقراطية السورية من المعارضة المدنية إلى التمرد المسلح، حيث بدأ عدد من الجماعات ينخرط في مواجهات شرسة مع قوات أمن النظام، وهو ما أدى إلى فقدان آلاف الأرواح. وعلاوة على ذلك بات واضحا أن تركيا، وقوى أخرى كذلك، استخفت كثيرا بقوة نظام الأسد واستعداده لأن يترك خلفه فوضى عارمة بدلا من قبول انتقال سلس للسلطة.
كما وجدت تركيا نفسها بين براثن حرب إقليمية باردة بين السعودية -الداعم الرئيسي للمعارضة الديمقراطية- وإيران، الداعم الأقوى للأسد. وهذا الأمر هدد العلاقات التركية مع إيران، المورد الرئيسي لطاقتها. وكان لابد لأنقرة أن تتحرك بحذر شديد وتعمد إلى إعادة تقييم شاملة لتورطها. وإلا فإن الفوضى السورية يمكن أن تصير فوضى تركية كذلك .
والأهم من ذلك هو أن الأتراك أصبحوا على وعي متزايد بعواقب الصراع المدمرة لمجتمعهم. فقد وسع دعم تركيا النشط للثوار المناوئين للأسد فجوة الانقسام الطائفي بين الأغلبية السنية (التي تؤيد الثوار ذوي الأغلبية السنية) والأقلية العلوية المتعاطفة مع نظام الأسد العلوي المهيمن. والعلويون في تركيا، الذين يطابقون الهيمنة السنية بالحزب التركي الحاكم، يعترفون بمشكلة مشابهة تواجهها الأقلية العلوية في سوريا التي تواجه ثورة سنية في معظمها. وهذا يفسر جزئيا معارضة حزب المعارضة التركي الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري الذي يعتمد على الكتلة الانتخابية العلوية، لموقف الحكومة الثابت المناوئ للأسد.
وأضاف الكاتب أن المشكلة الكردية الدائمة في تركيا تواجه أيضا خطر التفاقم. فالفصائل الكردية في سوريا مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يسيطر حاليا على أجزاء من الشمال السوري التي يمكن أن تصير ملاذات آمنة لأفراد الحزب، ومنهم كثيرون انتقلوا من كردستان العراق. وسياسة تركيا الطويلة لكسب حكومة أكراد العراق إلى صفها ضد حزب العمال الكردستاني تتعرض الآن لخطر الانهيار. والأحداث الأخيرة تجعل هذا الوضع الخطير أكثر قابلية للانفجار بعد أن صدق البرلمان التركي على تفويض بعمل عسكري في سوريا، رغم قول مستشار كبير لرئيس الوزراء التركي إن "تركيا ليس لديها مصلحة في أي حرب". ومع ذلك تجازف تركيا بالانجرار إلى صراع إقليمي من دون ترو كاف وبعواقب لا يمكن التنبؤ بها.
وختم محمد أيوب مقاله بأن الأنصار الرئيسيين الآخرين للمعارضة السورية، السعودية والولايات المتحدة، لديهم المتسع للعودة إلى أوطانهم وترك سوريا لمصيرها إذا ما أصبح الوضع هناك فوضويا تماما. ونظرا لقرب تركيا فإنها للأسف ليس لديها هذا الترف. ومن ثم لا بد لأنقرة أن تتحرك بحذر شديد وتعمد إلى إعادة تقييم شاملة لتورطها. وإلا فإن الفوضى السورية يمكن أن تصير فوضى تركية كذلك.
والواشنطن بوست تعلن بأن هناك عاصفة أمام علاقات أنقرة وواشنطن !
فمع اختلاف سياسات أوباما (يمين) وأردوغان تجاه سوريا فإن توتر العلاقات بينهما لا يمكن تفاديه وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية اليوم إن عاصفة تنتظر العلاقات التركية الأميركية بسبب استمرار الحرب في سوريا ودخول تركيا طرفا فيها. فواشنطن ترغب في المزيد من الانتظار لمعرفة مصير الأسد في حين أصبحت أزمة سوريا بالنسبة لأنقرة قضية لا تتحمل الانتظار. وتطرقت الصحيفة إلى العلاقة الوثيقة التي نمت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال الأعوام الماضية وقالت إن هذه العلاقة زودت الولايات المتحدة بحليف مسلم كبير في الشرق الأوسط وإن الطرفين عملا معا وعلى نحو وثيق من أجل استقرارالعراق.
وأشارت الصحيفة في مقال كتبه مدير برنامج الأبحاث التركية والباحث المشارك في معهد واشنطن لأبحاث سياسات الشرق الأدنى سونر كاغاتباي إلى التطورات العسكرية التي حدثت مؤخرا بين سوريا وتركيا وبلغت حد قصف كل منهما أراضي الأخرى. وقال سونر إنه خلال الأزمة السورية التي استمرت حتى اليوم 18 شهرا كانت تركيا تفترض أنها والولايات المتحدة على طرف واحد بشأن تغيير النظام السوري، لكن الآن بدأت الاختلافات تبرز إلى السطح.
واشنطن ترى أن النهاية الهادئة نسبيا والمتدرجة ممكنة في سوريا وأن الأمل معقود على التئام مجموعات المعارضة ونجاحها في هزيمة الأسد وتفادي الحاجة لتدخل أجنبي مستعجل . وأوضح الكاتب أن إدارة أوباما مترددة إزاء سوريا لعدة أسباب منها خشية العواقب غير المعروفة قبيل معركة الانتخابات الرئاسية الوشيكة وتعب الشعب الأميركي من الحروب. أما أردوغان فيبدو أنه ينظر إلى هذه الأسباب كغطاء لعدم اهتمام عام بالمشكلة السورية التي تعاني منها تركيا. وقال سونر إن إحدى العلامات على ذلك توبيخ أردوغان لأوباما يوم 5 سبتمبر/أيلول على شاشة سي أن أن ووصفه له بالافتقار للمبادرة بشأن سوريا. وعلق سونر على ذلك قائلا "هذه من المرات النادرة التي ينتقد فيها أردوغان الصديق المخلص لأوباما صديقه".
وقال سونر إن ما قاله أردوغان نذير شؤم. فرئيس الوزراء التركي يميل، وفق ما ذكره الكاتب، إلى معاملة القادة الأجانب كأصدقاء، ويحتد مزاجه عندما يعتقد أن صديقه لم يقف إلى جانبه. "كلما اختلفت نظرة واشنطن لسوريا عن نظرة تركيا، ازداد قلق أردوغان بسبب ما يراه عدم رغبة أوباما في دعم سياسته". وأوضح الكاتب أن سياسة واشنطن ترى أن النهاية الهادئة نسبيا والمتدرجة ممكنة في سوريا وأن الأمل معقود على التئام مجموعات المعارضة ونجاحها في هزيمة الأسد وتفادي الحاجة لتدخل أجنبي مستعجل "وهو خيار تخشى واشنطن أن يتسبب في حدوث فوضى".
أما أنقرة، فترغب في نهاية هادئة لكن على نحو سريع، خاصة مع التطورات العسكرية هذا الأسبوع. تركيا تشعر بسخونة الأزمة على أبوابها، "وأردوغان لديه كل الأسباب لأن يعتقد أن الوقت ليس في صالحه". وأشار سونر إلى أن الطبيعة الطائفية للصراع في سوريا بدأت تنفذ إلى داخل تركيا. فالعلويون الأتراك بجنوب البلاد غير راضين عن سياسة بلادهم تجاه النظام السوري وكانوا يسيرون مظاهرات مؤيدة لدمشق ومعارضة لأنقرة بانتظام خلال الصيف، كما بدؤوا يمتعضون من اللاجئين السوريين السنيين بمناطقهم في الجنوب التركي.
مع هذه السياسات المختلفة لكل من أردوغان وأوباما، يبدو أن توتر العلاقات الأميركية التركية لا يمكن تفاديه وقال الكاتب هذه هي مشكلة أنقرة وربما تتفاقم أكثر إذا دخلت سوريا في حرب طائفية شاملة. كما أن تركيا تخشى حزب العمال الكردستاني الذي سمح له الأسد مؤخرا بالعمل من داخل سوريا، بالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية السلبية للحرب على تركيا.
وأشار إلى أن كل ذلك لا يبشر بخير بالنسبة لآمال أردوغان بأن يكون أول رئيس لتركيا يُنتخب مباشرة من قبل الشعب في 2014 -حتى الآن كان الرئيس التركي يُنتخب من قبل البرلمان- ورغم أن حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان نال نسبة 49.5% من الأصوات في انتخابات العام الماضي، فإن اتساع هجمات حزب العمال ربما تقلل هذه النسبة. وتوقع الكاتب أن تضغط تركيا على الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة من أجل عمل أقوى ضد الأسد بما في ذلك تأييد واشنطن للملاذات الآمنة للنازحين داخل سوريا والإجراءات الأخرى التي تعجل برحيل النظام. كما توقع ثبات واشنطن على سياستها.
وقال سونر أيضا إنه ورغم أهمية هذه الاختلافات، فإن تمزقا في العلاقات بين البلدين غير مرجح. فتركيا تعتمد كثيرا على أميركا، وهناك إيران والنظام الذي يسيطر عليه نوري المالكي الشيعي في العراق. وأشار الكاتب إلى أن موافقة أنقرة على استضافة مشروع الدفاع الصاروخي لـحلف الناتو في سبتمبر/أيلول 2011 تشير إلى سعي تركيا للحصول على أمنها في إطار الناتو الذي يمكن أن يكون حصنا لها ضد إيران وروسيا.
مشاركة الصحفي / مروان العنان