ويكيليكس العربية

ذكرالروائي الأميركي "هنري ميللر" مرةً عن أميركا: "أنا أرى أميركا مثل مرض منتشر... أنا أرى أميركا لعنة سوداء على العالم"...!


"العرب فرحوا كثيراً بسقوط الاتحاد السوفياتي، لكنهم حزنوا عندما وجدوا أن العالم أصبح في يد قطب متحكم وحيد وهو أميركا، فترحموا على الحرب الباردة. والآن يعود التوازن إلى الساحة الدولية بصعود قوى جديدة تنافس القطب الأميركي. أيهما أفضل، أن يكون العالم بيد قوة مهيمنة واحدة، أم أن يكون هناك توازن قوى كي يمنع توحش وانفراد قوة واحد بالعالم؟"

هذا ما عرضه الإعلامي في قناة الجزيرة الدكتور "فيصل القاسم" على صفحات تواصل الاجتماعية في التويتر والفيس بوك؛ وهذا يدفعنا للتساؤل: لماذا وكيف ومتى أصبحت أميركا على رأس زعامة العالم اليوم؟ وذهب "أمين معلوف" في كتابه "اختلال العالم" إلى عرض منشور للمؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي" والذي قسم العالم من خلال نظرة شاملة للبشرية إلى ثلاث مراحل وعرضها بالتفصيل في اثني عشر مجلدا ضخما تحت عنوان "دراسة التاريخ":

أما المرحلة الأولى، ما قبل التاريخ، فكانت حياة البشر وحيدة النمط في كل مكان لأن الاتصالات كانت بطيئة، ووتيرة التغير أكثر بطئا أيضا.

وأما المرحلة الثانية، والتي دامت حوالي أربعة آلاف وخمسمائة سنة من آخر مرحلة ما قبل التاريخ حتى السنة 1500 قبل الميلاد، فكان التغير أسرع من الانتقال، مما أحدث تفاوتا شديدا في المجتمعات البشرية..

أخيرا، المرحلة الثالثة، منذ القرن السادس عشر، تزايدت سرعة الاتصالات، وبالتالي سرعة التغير وتوحدت البيوت على الأقل تكنولوجيا واقتصاديا... ومنذ توقف الحرب الباردة في آخر الثمانينات أخذ التطور الذي وصفه توينبي نحو حضارة إنسانية موحدة يجري على وتيرة مختلفة تماما وفي بيئة استراتيجية متبدلة بوضوح؛ فقد وجدت حكومة، هي حكومة الولايات المتحدة الأميركية نفسها مكلفة في الواقع بأداء دور سلطة عالمية، وباتت منظومة قيمها القاعدة المسكونية، وأمسى جيشها الشرطي العالمي، وحلفاؤها تابعين، وأعداؤها خارجين على القانون، وهو وضع لا سابق له في التاريخ.

ما الذي أهّل أميركا لتصبح حكومة عالمية؟! مما لا شك أن لتطور وسائل الاتصالات دورا قويا جدا في تغير شامل في بنية العالم؛ وقديما كانت ثمة أمم وحضارات تحكم العالم كالإمبراطورية الرومانية، وكانت تمتد بعيدا بحيث لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها، والإمبراطورية الإسبانية في القرن السادس عشر، والإمبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر، وغيرها... 

والمعروف أن الإمبراطوريات السالفة لم تحز على الوسائل التقنية التي كانت تسمح لها بأن تتدخل كما تشاء في طول الكرة الأرضية وعرضها، ولا بأن تعيق قيام دولة منافسة. وبات العالم بكامله اليوم، مع تطور وسائل الاتصالات، تحت فضاء سياسي موحد، تحت جناح أميركا، وهناك عوامل ساهمت بقوة في تزعم أميركا عرش العالم، وذلك من خلال قدرتها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؛ هذه العوامل في زمن ما أكسبتها شرعية عالمية، ولكن هذه الشرعية نفسها بدأت اليوم تتراجع، خاصة بعد حربيها على العراق وأفغانستان. 

وهنا نشير إلى أن أميركا قبل 11 من سبتمبر ليس كما بعد 11 من سبتمبر في رؤية العالم على الأقل، ولكن إذا رجعنا للواقع فسوف نرى أن أميركا جرت على يديها عدة حروب ومجازر قبل أحداث 11 من سبتمبر؛ ففي ديسمبر عام 1989، بعد مرور ستة أسابيع على سقوط جدار برلين، تدخلت أميركا عسكريا في باناما ضد الجنرال نورييغا، ثم حرب العراق الأولى عام 1991، والتدخل في الصومال وهايتي وحرب البوسنة... غيرها من المداهنات العسكرية؛ فعلتها أميركا في ذاك الوقت لتثبت للعالم الأجمع أنها الآمر في هذا الكوكب وعلى الجميع إطاعتها!

بينما جاءت أحداث 11 من سبتمبر لتكون حجة تشجب عليها جرائمها؛ فلقد ألقي قفاز فتاك في وجه أميركا، وقد شهد العالم ردود فعل متسلسلة على ذلك، غزوات وانتفاضات وإعدامات ومجازر وحروبا أهلية واعتداءات صارخة أنهكت دولا وحضارات! وأميركا اليوم مضطرة للحروب وغير قادرة على التراجع عن ذلك؛ فبعد أن صرعت عدوها العالمي الرئيسي وجدت نفسها تخوض غمار مشروع هائل ينهكها ويدفع بها إلى التيه، وذلك بأن تروض بمفردها كوكبا يستحيل ترويضه كما يرى "معلوف"..

وأسباب حروب أميركا اليوم هي حصة تدني الغرب النسبية في الاقتصاد العالمي حسبما ابتدأ قبيل انتهاء الحرب الباردة، وحمل عواقب خطيرة والذي جعل الدول الغربية على رأسها واشطن تحافظ بواسطة التفوق العسكري على ما لم يعد يمكن أن تحافظ عليه بواسطة التفوق الاقتصادي ولا بواسطة السلطة المعنوية... واليوم مع التراجع الاقتصادي غدا استخدام السلاح أمرا عاديا؛ كي تحافظ على هيمنتها وسيطرتها.

فالملاحظ للعيان أن تدخلات أميركا جعلها تنحدر اقتصاديا ولا تكف عن الاستدانة، وتعيش بشكل واضح على مستوى يفوق طاقتها، ولكن لأنها تحوز تفوقا عسكريا فقد عمدت إلى استغلال هذه الورقة الرابحة كي تعوض فقدان قدرتها في الميادين الأخرى. فهي لا تنفك تهيمن على العالم رغم كل الظروف التي تمر بها، ولا مجال للتراجع، فهي لن تسمح لغيرها بإحكام قبضته على العالم، خاصة موارد النفظ وأهميته لنهوض اقتصادها، وهي لديها قاعدة تسير على منوالها لو أنها تخلت عن الهيمنة وفسحت المجال لقوى منافسة فسوف تخسر زعامتها وتنساق في سيرورة من الإضعاف والإقفار.

بعد حرب العراق بغض معظم العالم أميركا، بقيادة الرئيس بوش، فقد أفلست أخلاقيا، وبغضوا إعادة ترشيح بوش ولكن الشعب الأميركي أعاد ترشيحه، وبعد أعوام مضت ظهر رجل نال مبدئيا رضى العالم ورشحه الأميركان. في قضايا الترشيح تبادر إلى ذهن الكاتب "أمين معلوف" معظلة انتخاب رئيس الولايات المتحدة اليوم؛ فبما أن أميركا تتحكم في وضع العالم وتمس مصيره، فإن الذين ينتخبونه يجدون أنفسهم مكلفين بأداء دور لا يخصهم قانونا؛ لأن خياراتهم تتبدى غالبا ذات تأثير حاسم في مستقبل الآسيويين والأوروبيين والأفارقة والأميركيين الجنوبيين..

"معلوف" عرض الفكرة.. فكرة مشاركة الآخرين من العراقيين والكولمبيين والصينيين وغيرهم في انتخاب رئيس أميركا، ثم استبعد الفكرة. ولكن ذلك لا يمنع أن نفكر نحن، كقراء وكمتابعين، في هذه الفكرة وطرحها على مستوى العالم؛ فأميركا اليوم تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون غيرها وعلى مستوى عالمي؛ فلماذا لا يكون من حق العالم نفسه، الذي تحت جناح أميركا، في أن يكون له حق ،كالأميركيين في انتخاب رئيس أميركا؟

لو ألقينا نظرة شاملة على عالمنا اليوم لرأينا أن معظم الحكومات أول غاياتها هي أن تجعل نفسها مقبولة عند الدول العظمى، على رأسها أميركا، ورضاها أهم من مصالح شعبها ورضاه؛ كي يحتفظ بالحكم، لهذا فقدت هذه الحكومات اليوم شرعيتها في نظر شعوبها بينما أميركا هي أيضا تعاني من المشكلة نفسها، فقدان شرعية من عدم اقتناع العالم بعُلويتها وزعامتها؛ ولهذا فإن البشرية في حالة حصار، ولكن الفارق أن شرعية أميركا لا تشكل فارقا ذا تأثير عليها مقارنة ببقية حكومات الدول، والتي إن فقدت رضى أميركا وموافقتها عنها لسقطت سقوطا مدوياً!

ويرى "معلوف" أن أميركا لن تستعيد شرعيتها من قبل العالم كله إلا إذا أفلحت في أن تعمل في مصلحة العالم الأجمع وليس في مصلحتها فقط؛ فالمطلوب هذه المرة لا يقتصر على تنشيط الاقتصاد وإعادة الاعتبار إلى بعض الاهتمامات الاجتماعية، بل المطلوب بناء واقع عالمي جديد وعلاقات بين الأمم جديدة، ونمط لأداء العالم جديد يضع حدا للاختلالات الاستراتيجية والمالية والأخلاقية والمناخية. ولكي تتمكن القوة العظمى من الاضطلاع بهذه المهمة العملاقة ينبغي لها أن تستعيد شرعيتها؛ قطعا لأميركا اليوم منافسون وأعداء؛ لهذا إن أرادت الحفاظ على مركزيتها العظمى فعليها أن تكون متصالحة مع ذاتها وعليها أن تمارس دورها العالمي في حدود احترامها للآخرين، وأن تسعى إلى غرس مفهوم التعايش بينها وبين الأمم الأخرى بشكل حقيقي وفاعل، أي بمعنى أكثر أناقة "اختراع رؤية جديدة للعالم".

فهل ستبقى الهيمنة الأميركية كما هي، أم تتراجع فوق ما بها من شرعية متأرجحة؟! أقول هذا وأنا أقرأ خبر صدور كتاب الرئيس الأميركي "أوباما" الجديد "اخدعني مرتين"، والذي كتبه كي يمنحه الأميركيون فرصة إعادة ترشيح أخرى وكي يكسب شرعية العالم؛ فالكتاب يضمن مخططاً عاماً لاستخدام ما يسمى "بالأجندة الخضراء" لإعادة توجيه التمويل المخصص للدفاع، فوفقا لدراسة بعنوان "تغير المناخ والهجرة، والصراع" هناك عدة سيناريوهات للتصدي للأزمات المعقدة في القرن الــ21، ويتضمن هذا مبادرة لإعادة توجيه واستخدام ثروة أميركا بإعادة توزيع الموارد على البلدان النامية؛ كي تستفيد من تجارب أميركا.

وبالتالي هذا إعلان صارخ عن زعامة أميركا وسعيها الحثيث لضخ هيمنتها بشكل قاطع، ولكن هذه المرة بحجة اختلال البيئة المناخية وتأثيره على العالم أجمع، فهل نيتها صادقة هذه المرة، أم أنه مجرد ركوب الأمواج ونهب ثروات العالم الآخر؟!

التاريخ القادم وحده سيأتينا بالخبر اليقين، وإنا منتظرون...!

مشاركة العضو / يوسف اليامي

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم