جاءت تأكيدات وزير العدل العراقي حسن الشمري بأن بغداد لن تتردد في تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق سجناء سعوديين مدانين بجرائم إرهابية لتذكي جدلا حول موضوع يبدو في الظاهر أمنيا، غير أنه –وبإجماع الملاحظين- سياسي بامتياز.
ونقلت بعض الصحف على موقعها الإلكتروني عن الشمري قوله إن" السجناء السعوديين في العراق لن يستفيدوا من قانون العفو العام الذي يعدّه العراق حاليا؛ وذلك لأن أوضاعهم ستكون محكومة بالاتفاقية التي وقّعتها الحكومة مع المملكة بعد أن يصادق عليها البرلمان العراقي، والتي تتضمن أوضاع المحكومين بعقوبات سالبة للحرية ولكن لا تشمل المحكومين بالإعدام".
وحسب الملاحظين فإن العديد من القضايا السياسية تختفي وراء موضوع السجناء السعوديين في العراق، في مقدمها البحث الدؤوب من قبل الحكومة العراقية عن مشجب تعلق عليه فشلها الأمني الذريع وقصور أجهزتها عن بسط الاستقرار في البلد بعد رحيل قوات الاحتلال الأمريكي.
وتجد أطراف حكومية عراقية، وأطراف إعلامية موالية لها، مصلحة في إثارة موضوع السجناء السعوديين في العراق، خصوصا في فترات التوتر الأمني، مثل الفترة الراهنة التي تشهد تصعيدا في العمليات الإرهابية وتفجير السيارات والعبوات، حيث قتل أمس 51 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 250 آخرين بجروح في سلسلة هجمات تجاوز عددها عشرين هجوما أغلبها بسيارات مفخخة، واستهدفت مناطق متفرقة في العراق، في تأكيد ميداني على انفلات زمام السيطرة الأمنية من يد الحكومة العراقية.
ويحاول خطاب حكومة بغداد الإيحاء بمسؤولية دول الجوار على تدهور الوضع الأمني بالعراق بتقاعسها في ضبط حدودها. غير أن مراقبين يرون في الإثارة المتكررة لموضوع السجناء السعوديين في العراق أسباب سياسية وحتى إيديولوجية أعمق تتصل بالوضع الإقليمي عادة.
ويستدل هؤلاء بأن العراق يحتجز في سجونه أناسا من مختلف الجنسيات عربية وغير عربية، ولكن التركيز يقع على السجناء السعوديين تحديدا، ويقحم محللون سياسيون إيران في خلفية قضية السجناء هذه. ويؤكدون أن إصرار السلطات العراقية على إنزال أقصى عقوبة بسعوديين مسجونين في العراق يندرج ضمن تصفية حسابات إيرانية بالوكالة من السلطات السعودية على إعدامها الصيف الماضي 18 إيرانيا أدانتهم بتهريب مواد مخدرة إلى أراضي المملكة.
وتسبب ذلك في أزمة بين طهران والرياض بلغت حد استدعاء الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال السعودي والاحتجاج لديه، متهمة السلطات السعودية بعدم تمكين هؤلاء المتهمين من ظروف المحاكمة العادلة. ويؤكد المراقبون أن حربا ديبلوماسية وإعلامية قائمة بين السعودية وإيران غاية كل طرف فيها إلصاق تهمة الإرهاب بالآخر.
ومن هذا المنطلق لا يستبعدون وجود علاقة بين قضية السجناء السعوديين في العراق، واتهام الرياض لطهران بالضلوع في تدبير محاولة اغتيال للسفير السعودي بواشنطن. وكانت هذه القضية قد تفجرت عندما أعلنت السلطات الأمريكية صيف 2011 إحباطها محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير على يد كل من منصور اربا بصير وغلام شاكوري، مؤكدة وقوف السلطات الإيرانية بشكل مباشر خلف محاولة الاغتيال تلك.
وبشأن قضية السجناء السعوديين قال وزير العدل العراقي إن عدد هؤلاء في العراق يصل إلى خمسة وتسعين سجينا، موضحا أن إداناتهم مختلفة فبعضهم مُدان بتجاوزه للحدود وحُكم بالسجن لفترات تتراوح بين ست وسبع وعشر سنوات، وبعضهم مُدان بموجب قانون مكافحة الإرهاب وحُكِمَ عليه بالإعدام، وبعضهم حُكِمَ عليه بالمؤبد لمدة سجن طويلة من 15 إلى 20 سنة.
وأوضح أنه اتفق مع الجانب السعودي خلال زيارته للمملكة على أنه لا حرج ولا تردد في تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المُدانين من السعوديين بها، وذلك كونهم خارج موضوع الاتفاقية ولأنه لا نية لإعادة النظر بهذا الموضوع. وشدد الشمري على أنه لا دخل للتنوع الديني والمذهبي في الأحكام الصادرة عن القضاء العراقي، مؤكدا أن التعامل مع النزلاء في السجون العراقية يكون بموجب معايير حقوق الإنسان، نافيا أن يكون هناك حالات تعذيب داخل السجون، ورافضا عبارة أن يكون هناك أحكام جائرة في العراق.
وتحاول الرياض من خلال تواصلها مع الحكومة العراقية ومرونة موقفها من القضية عدم تصعيدها وإثارة المزيد من اللغط حولها، مبرزة استعدادها لقدر كبير من التعاون في مسألة مكافحة الإرهاب ساحبة البساط من تحت أقدام إيران واتهاماتها المباشرة وغير المباشرة لها بتصدير "الجهاديين".
مشاركة العضو / هلال الدباس