لم يخرج الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه في جامعة دمشق أمس عن توقعات معارضيه بإعلانه التزام القمع ورفضه أي مبادرة سياسية لإنهاء الحرب التي يشنها شبيحته ضد المواطنين السوريين، بل أربك الديبلوماسية السورية التي فشلت في استخدام الملاحظات الأخيرة لرئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية الفريق محمد مصطفى الدابي للترويج لنظام دمشق بعدما هاجم الأسد العرب وجامعتهم واعتبرهم مع الغرب متآمرين عليه، واصفاً السوريين المطالبين بإسقاطه بأنهم "إرهابيون" وتوعدهم بمزيد من البطش.
وتزامناً مع خطاب الأسد الذي اعتبرته واشنطن سعياً الى انكار أي مسؤولية عن أعمال العنف، وباريس إنكاراً للواقع، والمعارضة السورية تحريضاً على العنف، كانت قوات النظام تعتدي على المواطنين الذين خرجوا الى التظاهر تنديداً بالخطاب وصاحبه مقدمين 36 شهيداً جديداً أمس بعدما جرح شبيحة الأسد أول من أمس 11 مراقباً في اعتداء على المراقبين العرب الأمر الذي اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي حكومة الأسد مسؤولة عنه.
وفي ظل إصرار سلطات الأسد على سياسة القتل والقمع والمماطلة والتسويف، برزت صرخة إماراتية أمس ترى أن مهمة المراقبين باتت صعبة مع اصرار النظام على إحكام القبضة الحديد ضد المحتجين المطالبين بإسقاطه، ومواقف تركية إيطالية متوافقة على ضرورة تكثيف الضغوط الدولية ضد نظامه.
وتعقيباًَ على خطاب الرئيس السوري، أكد رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون أن الخطوة المقبلة هي اللجوء الى المجتمع الدولي الذي أكد على لسان الأمم المتحدة أمس سقوط 400 شخص من بين المحتجين السلميين على يد شبيحة الأسد منذ بدء البعثة عملها منذ 26 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
فخلال اجتماع لأعضاء مجلس الامن الدولي خصص لبحث الوضع في سوريا، نقلت السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس عن مساعد الامين العام للمنظمة الدولية للشؤون الانسانية بي لين باسكو أمس، أن 400 شخص قتلوا منذ بدء المراقبين عملهم في سوريا.
وقالت رايس ان وتيرة الوفيات "اكبر بكثير من المرحلة التي سبقت انتشار" المراقبين العرب، مضيفة "انه مؤشر الى ان الحكومة السورية تقوم بتصعيد العنف برغم وجود المراقبين".
واثر اجتماع مجلس الامن أمس، جدد السفراء دعوتهم روسيا الى البدء بمفاوضات جدية حول تبني قرار في شأن القمع الدامي للتظاهرات من جانب النظام السوري.
وقال السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة جيرار ارو "نأسف لأن المفاوضات بطيئة جدا. لقد طلبنا نصا جديدا منذ بعض الوقت وعبرنا عن احباطنا". وقالت رايس "حان الوقت ليتبنى هذا المجلس قرارا قويا يدعم الجامعة العربية".
وأضاف ارو ان مراقبي الجامعة العربية "يقومون بعمل صعب في وضع بالغ الصعوبة. السلطات السورية تبذل ما في وسعها لافقاد مهمتهم الفاعلية. انهم لا يسمحون لهم بدخول السجون. انهم لا يسحبون القوات المسلحة من المدن". وتابع "تعلمون ان هناك قناصة منعزلين يشكلون تهديدا لامن هؤلاء المراقبين. نحن نثق بالجامعة العربية التي اعلنت بعد تقرير اولي انه سيتم ارسال عدد اضافي من المراقبين. من هنا وكما كررنا، فإن وجود المراقبين في ذاته لا يكفي، هناك طلبات اخرى قدمتها الجامعة العربية، انسحاب القوات السورية من المدن، وقف اعمال العنف، تسهيل الوصول الى السجناء خصوصا، هذه الشروط غير متوافرة بوضوح".
وكان السفير الالماني بيتر فيتيغ اعتبر قبل اجتماع أمس ان موقف روسيا المناهض لاستصدار قرار عن مجلس الامن يندد بقمع النظام "غير مرض". واضاف "نريد البدء بمفاوضات جدية حول اصدار قرار. ونحن مستعدون لجسر الهوة الموجودة، الا انه من الضروري اطلاق مفاوضات جدية."
وفي خطابه أمس، ألقى الرئيس السوري باللائمة على "مخططات خارجية" في تصعيد الاحتجاجات المستمرة منذ عشرة اشهر في سوريا وتعهد بالعمل على "ضرب الارهابيين والقتلة بيد من حديد". وقال: "الغريب أن بعض المسؤولين العرب معنا في القلب وضدنا في السياسة". واتهم الاسد "مخططات خارجية" بتسعير الازمة في سوريا.
وتوعد الأسد السوريين بمزيد من القمع وقال: "الأولوية القصوى الآن والتي لا تدانيها أي أولوية هي لاستعادة الأمن..، وهذا لا يتحقق الا بضرب الارهابيين القتلة بيد من حديد". واضاف "فلا مهادنة مع الارهاب ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لإثارة البلبلة والإنقسام ولا تساهل مع من يروع الآمنين ولا تسوية مع من يتواطأ مع الاجنبي ضد وطنه وشعبه".
وطاولت شتائم الأسد وسائل الإعلام فقال ان "هناك أكثر من 60 محطة تلفزيونية في العالم مكرسة للعمل ضد سوريا.. هناك العشرات من مواقع الانترنت والعشرات من الصحف والوسائل الإعلامية المختلفة.. يعني نحن نتحدث عن المئات من وسائل الإعلام كأن الهدف أن يدفعونا باتجاه حالة من الانهيار".
ورداً على مطالب المحتجين وعدد من القادة الغربيين بالتنحي، قال الأسد في الخطاب الذي يأتي بعد عشرة اشهر على بدء الحركة الاحتجاجية منتصف آذار (مارس) الماضي "احكم برغبة الشعب واذا تخليت عن السلطة فسيكون برغبة الشعب.. نقول لهم خسئتم لست أنا من يتخلى عن المسؤوليات".
وأبدت المعارضة السورية استياءها من مضمون الخطاب واعتبرته بمثابة وأد للمبادرة العربية أو أي مبادرة أخرى لتسوية الأزمة، وأكدت أنه أوضح بشكل لا يقبل الشك أن النظام سيواصل سياسة القتل والقمع ضد الشعب السوري.
وقال رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون خلال مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول امس، إن "الخطاب قطع الطريق على أي مبادرة عربية أو غير عربية لتجنيب سوريا الأسوأ"، و"كشف عن إصرار النظام على دفع الشعب للانقسام والحرب الأهلية من خلال التلويح بمشروع إصلاح وهمي تحول مع الوقت الى خرقة بالية ولم يعد هناك أحد في سوريا يؤمن به".
ورأى غليون أن "النظام لم يتعلم شيئا من الأزمة التي بدأت قبل عشرة أشهر ولا يزال مستمرا في تصعيد الإرهاب، ليؤكد أنه أكثر تطرفا اليوم مما كان عليه في أي فترة سابقة"، وبين أن "الرد الوحيد على هذا الخطاب هو استمرار الثورة الشعبية السلمية وتوسيعها وتعميق التلاحم بين الثورة والجيش السوري الحر وكل قوى التغيير والإصلاح والعمل على حث العالم العربي شعوبا وحكومات على دعم الشعب السوري، وتصعيد الضغوط على النظام والعمل على تعزيز الجهود لدفع المجتمع الدولي لتأمين الحماية للمدنيين السوريين في أسرع وقت".
وتابع غليون مؤكداً أن "الخطوة المقبلة هي اللجوء للمجتمع الدولي والتوجه للجهات الدولية المعنية بحماية المدنيين".
وفي اسطنبول أيضا، قالت العضو في المجلس الوطني بسمة قضماني ان الخطاب ينطوي على "تحريض على العنف وتحريض على الحرب الاهلية ويتضمن كلاماً عن التقسيم الطائفي الذي يؤججه النظام نفسه ويشجع عليه". وأكدت ان "ما يقلقنا اليوم هو ان هذا الخطاب يشير بقدر كاف من الوضوح الى ان النظام يتجاهل تماما المجتمع الدولي.. هذا مؤشر الى اننا نتجه نحو ممارسات اكثر اجراماً واكثر تهوراً من قبل النظام في الايام والاشهر المقبلة".
ووجه الناشط هيثم المالح الذي شاهد الخطاب على التلفزيون في تركيا انتقادات ساخرة للأسد. وقال: "تعليقي هو أن هذا الخطاب نوع من الدعاية وأكاذيب ملفقة. إنه يريد أن يقول للمجتمع الدولي وللعالم العربي إنه طيب وإنه سيتغير لكن الأمر ليس كذلك. لن يختلف أي شيء يقوم به".
وفي المواقف من التطورات في سوريا، اكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد ال نهيان أن "مهمة المراقبين في سوريا تصعب لأسباب مختلفة لأننا لا نرى انخفاضاً في عملية القتل ولا نرى التزاماً من الجانب السوري لتحرك المراقبين وهناك اعتداءات مع الاسف حدثت على المراقبين من قبل بعض العناصر من غير المعارضة، ومن المفترض ان تتحدث الجامعة العربية عن الاعتداءات على مراقبيها وهم من دول مجلس التعاون.. واريد ان اترك الموضوع لامين عام الجامعة"، الذي دان أمس تعرض المراقبين العرب في سوريا لاعتداء من قبل شبيحة الأسد واصابة 11 منهم بجروح، وحمل الحكومة السورية "المسؤولية الكاملة" عن حمايتهم، محذرا من "تجميد" اعمال البعثة في حالة تعرض اعضائها للخطر او اعاقة مهمتهم.
وقال العربي في بيان ان الجامعة "تدين تعرض بعض المراقبين لأعمال عنف من جانب عناصر موالية للحكومة السورية في اللاذقية ودير الزور ومن عناصر محسوبة على المعارضة فى مناطق أخرى أدت الى وقوع اصابات لأعضاء البعثة وإحداث أضرار جسيمة لمعداتها". وأضاف ان الجامعة "تعتبر أن الحكومة السورية مسؤولة مسؤولية كاملة عن حماية افراد البعثة"، موضحاً ان "عدم توفير الحماية الكافية في اللاذقية والمناطق الاخرى التي تنتشر فيها البعثة يعتبر اخلالاً جوهرياً وجسيماً من جانب الحكومة (السورية) بالتزاماتها".
وأكد "حرص" الجامعة العربية على "مواصلة البعثة مهمتها الميدانية فى مناخ آمن لافرادها حتى لا تضطر الى تجميد أعمالها في حال شعورها بالخطر على حياة افرادها أو اعاقة مهمتها". وقال انه في حال تجميد اعمال البعثة فإن الجامعة ستقوم "بتحديد مسؤولية الطرف المتسبب في افشال مهمتها". واضاف في بيانه ان الجامعة "ترفض اي ضغوط او استفزازات من اي طرف كان حكومة او معارضة او محاولة لثني البعثة عن القيام بواجبها او اعاقة اعمالها".
ودعا "الحكومة والمعارضة الى وقف ما تقوم به عناصرها من حملة تحريض ضد البعثة وتمكينها من اداء المهمة الموكولة اليها وتحقيق الهدف النهائي من وجودها على الأرض السورية والمتمثل في المعالجة السياسية للازمة السورية".
دولياً، اتهمت الولايات المتحدة الرئيس السوري أمس بالسعي الى "انكار" أي مسؤولية له عن اعمال العنف في سوريا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند "من المثير الاشارة الى ان الاسد في خطابه وجه اصابع الاتهام الى مؤامرة خارجية واسعة الى حد انها تضم الجامعة العربية وغالبية المعارضة السورية وكل المجتمع الدولي".
وأضافت ان الأسد "يبدو انه ينكر بقوة اي مسؤولية لدور قواته الامنية" عن اعمال العنف في سوريا.
وطلب وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه من الجامعة العربية أمس ان "تقدم تقريرا الى مجلس الامن" عن نتائج بعثة مراقبيها في سوريا اذا جاءت سلبية. وقال "لقد دعمنا منذ البداية مبادرة الجامعة العربية وخاصة القرارات التي اتخذتها هذه المنظمة الاحد الماضي بتأجيل النتائج النهائية لبعثة المراقبين الى 19 كانون الثاني (يناير)" الجاري.
وأضاف "اذا لم تكن نتائج هذا التقرير ايجابية، فإننا نأمل ان ترفع الجامعة تقريرا الى مجلس الامن الدولي" متحدثاً عن ارتكاب "جرائم حقيقية ضد الانسانية" في سوريا.
واتهم وزير الخارجية الفرنسي الرئيس السوري بـ"الحض على العنف" و"انكار الواقع" رداً على خطابه الذي اتهم فيه الدول الاجنبية والاقليمية بـ"التآمر" على سوريا. وقال "ان هذا الخطاب يأتي على النقيض مما كان يمكن ان نتوقعه. انه يحض على العنف وعلى المواجهة بين الاطراف وهو نوع من انكار للواقع".
واتفق وزيرا الخارجية الإيطالي جوليو تيرسي والتركي أحمد داوود أوغلو أمس على ضرورة تكثيف الضغوط الدولية على النظام السوري، مشددين على التصميم على التعاون مع الجامعة العربية والأطراف الفاعلة إقليمياً والحفاظ على قناة للتحاور مع المعارضة السورية.
ونقلت وكالة أنباء "آكي" الإيطالية عن بيان لوزارة الخارجية الإيطالية أن تيرسي وداوود أوغلو بحثا امس هاتفياً آخر التطورات في سوريا، و"اتفقا على ضرورة تكثيف المجتمع الدولي ضغوطه على النظام السوري بالتزامن مع اعتماد وشيك لخطة عمل جديدة من جانب الجامعة العربية".
وأما روسيا فقالت أمس إن مراقبي الجامعة العربية يلعبون دوراً داعماً للاستقرار في سوريا.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان عن مراقبي الجامعة العربية نشر على الموقع الإلكتروني للوزارة أمس، "يلعب نشرهم (المراقبون) بالفعل دوراً في استقرار الوضع ويساعد على تقديم صورة صادقة وموضوعية بشأن ما يحدث." وكررت روسيا دعوتها إلى إجراء حوار بين حكومة الأسد ومعارضيه.
ميدانياً، خرجت مختلف المدن والبلدات والقرى في سوريا الى الشوارع تنديدا بالأسد وخطابه، وجبهت بعنف قوات النظام وشبيحته الذين استخدموا الرصاص ضد المواطنين.
وقالت "لجان التنسيق المحلية في سوريا" عصر أمس: "ارتفع عدد شهداء سوريا إلى ستة وثلاثين شهيدا بينهم ثلاثة اطفال: ستة عشر شهيدا في دير الزور، احد عشر شهيدا في حمص، ثلاثة شهداء في القامشلي، شهيدان في ادلب وشهيد في حماة".
"لجان التنسيق" قالت ان "الطفلة عفاف محمود سراقبي استشهدت تحت التعذيب بعد اعتقالها مع والديها من قبل قوات الأمن في حي كرم الزيتون (حمص) حيث استلم عمها جثتها (صباح امس) علماً أنها أصغر طفلة تقضي تحت التعذيب في المعتقل".